ومتى كانت الإحاطة بلغة أمة شرطا أعظم في صحة الحكم على مدنيتها؟ وهل في مقدور البشر أن يدرس الفرد عشرات من اللغات، إذا صح عزمه على معرفة تواريخ الأمم؟ حقيقة العرب تعرف من القدر الذي ألف ونقل إلى كل لغة من لغات المدنية الحديثة، وهو شيء كثير تتألف منه خزانة في كل أمة من الأمم المتحضرة اليوم. سألنا مؤلف كتاب حاضر العالم الإسلامي الأميركي، من أين له هذا الوقوف الجيد على تاريخ الإسلام وهو لا يعرف العربية؟ فقال: إنه درس التاريخ الإسلامي عشر سنين عند أستاذه في التاريخ، وكان هذا يحسن العربية، ويستخرج من كتبها كل ما يلزمه لدراسة تاريخ الإسلام؛ ولذلك أخذ لباب ما كان أستاذه متمكنا منه، ولم يحتج كثيرا إلى تلقف العربية للحكم على الإسلام والعرب، ولكن ذاك الشعوبي طلق المنطق فلذ لقلبه إسقاط أربعة من كبار علماء فرنسا المتأخرين، ليسقط بإسقاطهم مدنية أمة عظيمة يرى من مصلحته أن يعمل على حربها حتى لا تقوم لها قائمة، ولا تنسب لها في قديم الدهر وحديثه صفة من الصفات الطيبة التي قل أن تتجرد منها أمة عظيمة مهما كان جنسها وهواؤها ودينها.
نقض علماء الغربيين مماحكات الشعوبيين
وكل ما رددنا عليه آنفا هو رأي الشعوبي لامنس المؤرخ المحابي، كما لقبه بعض علماء أوروبا، وما فتئ يضعف من شأن أكبر مؤرخي العرب أمثال الطبري، والبلاذري، وابن سعد، والأصفهاني، وابن الأثير، وابن خلدون، وأبي الفداء، ويوثق بعض القصاص الوضاع. هؤلاء المؤرخون يغمز قناتهم لامنس البلجيكي بينا هيس السويسري
5
يأسف لتساهل المسلمين في دراسة هذه المدنية الإسلامية البديعة التي يعجب بها علماء المشرقيات، لما يقرءون من آياتها في كتب مشاهير المؤلفين أمثال ياقوت، والبيروني، والخوارزمي، وابن خلدون إلخ، قائلا: إن المسلمين يزهدون في مدنيتهم ليتمثلوا نصف تربية أوربية في المدارس التي قلما تهتم بتعليمهم عظمة الآداب التاريخية والجغرافية والعلمية التي خلفها أجدادهم. ا.ه.
لامنس الشعوبي البلجيكي يسقط من شأن مؤرخي العرب، كما يسقط من شأن علماء الإفرنج، وبراون
6
الإنجليزي يقول: إن كتب العرب في التاريخ أوسع الكتب وأدقها، ويرى أن التاريخ في بعض المؤلفات العربية لم يكتب على نسقه في أوروبا، ويذكر بالإعجاب ابن خلدون، وابن الأثير، والطبري، والفخري وغيرهم، قال: وفي باب العلم والفلسفة والأخلاق نجد من المؤلفات ما لا يوجد له مثيل.
يطعن الشعوبيون بكتب العرب، ويطعنون أيضا بكتب الإفرنج المنصفين للعرب، وكلما أوقدوا نارا للفتنة أطفأها العلماء بوثائق كثيرة تصفع النافخين في أبواق الشقاق، وتقضي على أماني الدجاجلة
7
صفحه نامشخص