تاريخا مختصرا لسورية لم يذكر فيه للإسلام ولا للعرب محمدة مدة ثلاثة عشر قرنا ونصف قرن، ومما أورد فيه من الأفكار المضحكة، أن العربي أثبت في فتوحه أنه جبان ضعيف في الجندية، لا يفكر في غير المغانم، وأن العرب ظهروا كما كانوا على عهد الرسول وسطا في القتال، وعلى استعداد للنهب، يحجمون أمام الخطر، وأنهم تركوا لسكان البلاد الأصليين محاكمهم ولسانهم وأنظمتهم البلدية عجزا منهم لا تسامحا، وأن العرب لا قابلية لهم لشيء من أسباب الحضارة، بل الفضل كل الفضل لأولئك المتفسخين في فارس والعراق والشام ومصر وغيرها من الأقطار التي افتتحت، وأن الحروب الصليبية وقائع البسالة، وأن الصليبيين كانوا عجبا بأنظمتهم وترتيباتهم، وتعامى عما ذكره مؤرخو الصليبيين أنفسهم من فجورهم وخبثهم ولصوصيتهم، وادعى أن محاسنة صلاح الدين للصليبيين كانت عجزا وخوفا، أي إن إبقاءه على الصليبيين يوم فتح القدس، كان لضعف فيه، فلم يعاملهم كما عامل الصليبيون المسلمين، يوم كانوا هم الفاتحين للقدس، بأبشع ضروب القسوة والعذاب، وقبح عهد صلاح الدين، وقال: إنه كان قليل البهاء، ووصفه بأنه طماع، على حين قد ثبت أن هذا الطماع، بعد أن فتح ما فتح من الممالك الغنية لم يخلف دارا ولا ملكا ولا مالا، وكثير من المدارس والربط والجوامع وأساليب العمران في بلاد الشام ومصر، وبعضها باق إلى الآن، هو مما عمره من سهمه من الغنيمة، ولم يرض أن ينسب إليه، فعزي إلى قواده ومماليكه، وكان رجاله يخفون عنه ما في خزائنه من النقد؛ لئلا ينفقه في وجوه المبرات والإحسان، والبلاد محتاجة إلى المال تنفقه في مصالح الدولة.
وادعى أن اليهود عوملوا في عهد الحروب الصليبية في الغرب معاملة حسنة، وأنهم كانوا ممتعين بحقوق الوطنيين عند الصليبيين، مع أن سيوف هؤلاء حصدت أولئك المساكين، وحلت بهم عجائب من ضروب العذاب لأخذ أموالهم، مما فصله مؤرخو الغرب أمثال كونده، وريناخ ، وسيديليو، ودي كاستري، ولافيس، ورامبو، فقالوا: إن النصارى أيام الحروب الصليبية ما دخلوا بلدا إلا وأعملوا السيف في يهوده ومسلميه، وذلك يدل على أن اليهود إنما وجدوا مجيرا وملجأ في الإسلام، فإن كان لهم باقية حتى الآن في الغرب فالفضل فيه يرجع لمحاسنة المسلمين ولين جانبهم.
وهكذا يوغل هذا المؤلف المضلل في الحط من قدر العرب والإسلام، يحاول بكل ما لديه من قوة أن يسلبهم مجدهم الأقعس،
33
يقول: إن العربي وسط في الجندية، ولكن هذا الوسط فتح من الممالك ما عجز عنه أشجع الأمم وأكبرها استعدادا، وقال: إن العرب لا قابلية فيهم لشيء من مشخصات المدنية، والتاريخ شاهد على أنهم علموا العالم القديم، ونقلوا إليه ما لم يعرفه، وأتوا من الأعمال النافعة ما لا يزال العدو قبل الصديق يعترف به، ولكن هذا المؤلف لا يعترف لهم بمنقبة، وبحق ما وصفه العالم «دينه» بأنه في علم المشرقيات كبطرس الناسك في الحروب الصليبية، جهز بهمة لا تعرف الملل، صليبية دعية في العلم، طمعا بصرع الإسلام صرعة لا قيام منها. وقال درمنغم في كتابه «حياة محمد»: «إن كتب الأب لامنس الجيدة قد شوهت محاسنها بما بدا في تضاعيفها من كراهة الإسلام ورسوله، فاستعمل في التاريخ طرقا بالغ فيها بالنقد، وبعض المؤلفين يعمد إلى مثلها للغض من النصرانية إلخ.» ونحن قد طالعنا أكثر ما كتب هذا المتعصب بالعربية والفرنسية، فما رأيناه غلط مرة واحدة فأنصف العرب ومدنيتهم، أو دون لهم أقل حسنة، ولو كان يكتب في وحوش السودان، لاستحى منهم يوما، وذكر لهم ولو بعض ما يستحسن من عاداتهم ومصطلحاتهم.
ومثل لامنس كان صنوه وزميله لويس شيخو، ضرب على نغمة واحدة طول حياته، ولم يأل جهدا في جميع تآليفه في إثبات دعواه أن العرب قبل الإسلام وبعده لا شأن لهم في المدنية، وإذا كان هناك من حضارة فبنوا بجدتها نصارى العرب، وقد لفق كتابا طويلا
34
ادعى فيه أن معظم شعراء العرب قبل الإسلام كانوا نصارى، وبراهينه على دعواه أوهى من بيت العنكبوت، وهناك طائفة من المتظاهرين بعداء الإسلام وحضارته، يضربون في النصرانية والإسلام ومقصدهم الحقيقي الحط من الإسلام فقط، مثل: مارتن هارتمان الألماني؛ فقد كتب إلينا منذ سنين يقول: إن الإسلام والنصرانية
35
حاولا أن ينشئا مجتمعا يقوم بالدين وحده، ليكون أهل الشهادة بذلك الدين ظاهرين على الدين كله إلا أنهما لم ينجحا، وتوسع في هذا السخف، فقال: إن دعوى تفوق
صفحه نامشخص