اسلام شریک: مطالعات درباره اسلام و مسلمانان
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
ژانرها
والمعنى من كل ما سبق أن علماء الدين يحرمون على المؤمن الخروج على الحاكم أو التمرد عليه، ويفرضون عليه الطاعة لأوامر السلطة بغير أن يسأل عن شرعية هذه السلطة. صحيح أننا يمكن أن نفترض أن واجب الطاعة لا ينسحب على الأوامر بالسيئات، ولكن هذا الجانب من جوانب المشكلة كاد أن يسكت عنه، بل يبدو إلى حد كبير وكأنما أزيح عن الوعي، وهكذا نشأ في الإسلام السني اتجاه واضح للخضوع للسلطة خضوعا يكاد أن يكون غير مشروط، أي نشأت حالة «التقية» المبررة من الناحية الدينية.
وتعاظم الاتجاه السني على مر التاريخ من خلال الجهود التي بذلها علماء الدين للتوفيق بين النظرية والواقع، وذلك حرصا منهم على إنقاذ النظرية، وبالتالي إنقاذ المثل الأعلى للدولة الدينية، ذلك أن الواقع لم يقترب من المثال، بل أخذ يبتعد عنه بصورة مستمرة. كانت المشكلة في البداية تتمثل في اصطدام الخلفاء الأمويين مع متطلبات المثل الأعلى القديم للدولة الإسلامية، ودخولهم في صراع مع «أهل الورع» من علماء الصحابة الذين شعروا بأنهم حفظة ذلك المثال والحراس عليه. ولما أسقط العباسيون الدولة الأموية وانتزعوا الخلافة، حاولوا جاهدين - عن قصد ووعي - أن يضفوا عليها الطابع الديني، وأن يتقربوا من أهل الورع ويقربوهم من دولتهم. غير أنهم لم يرجعوا إلى المثل الأعلى القديم، بل تخلوا عن مبدأ المساواة الإسلامي بأكثر مما فعل السابقون عليهم؛ إذ ولوا وجوههم نحو التراث الفارسي القديم عن الدولة العظمى وتقاليدها، ففصلوا بين الحكام والمحكومين وجعلوهما طبقتين منفصلتين. أضف إلى ذلك تمزق الدولة وضياع وحدتها. فقد هرب أحد الأمويين إلى إسبانيا وأسس هناك خلافة منافسة لم يكن من الممكن قهرها، إذ أثبتت قدرتها على البقاء. وفي وقت لاحق أقام الفاطميون خلافة شيعية. ونشأت فضلا عن ذلك في أرجاء العالم الإسلامي إمارات مستقلة بالفعل، وإن لم يمنعها ذلك من الاعتراف الشكلي بالسلطة العليا للخليفة. وأخيرا أصبح الخلفاء العباسيون أنفسهم في عاصمتهم بغداد تابعين تبعية صريحة للقواد الأجانب من المرتزقة الذين كانوا قد لجئوا إليهم واستدعوهم لحمايتهم. وهكذا لم يكد يبقى شيء من فكرة الدولة العالمية التي يفترض أن «خليفة» الله مكلف بحكمها بشرع الله.
وقد بدأت الصياغة المنهجية للقانون الدستوري الإسلامي في غمرة هذا التدهور التاريخي للدولة الإسلامية. وفي منتصف القرن الخامس للهجرة، حوالي سنة 1030م، كتب القاضيان البغداديان الماوردي وأبو يعلى كتابين شاملين عن قواعد الحكم أو - على حد تعبيرهما - عن الأحكام السلطانية.
22
في هذا الوقت الذي وضع فيه الكتابان كان قد مضى على العباسيين ما يقرب من قرن كامل تحت وصاية البويهيين الذين كانوا من الشيعة، ولم يكن لديهم أي مسوغ ديني مباشر للاعتراف بسلطة الخليفة السني، حتى ولو كان ذلك على سبيل الاعتراف الشكلي. ولعل الخليفة كان يحاول من جانبه التخلص من وصاية أولئك القواد والحكام الشيعة أو على الأقل الحد من سلطاتهم. وقد بين المستشرق الإنجليزي «هاملتون جيب» أن الماوردي ألف رسالته السابقة الذكر بناء على رغبة الخليفة.
23
أما رسالة «أبو يعلى»، التي لم يهتم بها البحث العلمي حتى الآن اهتماما كافيا، فيبدو من الواضح أنها قد وضعت في السياق التاريخي نفسه، وهي تتفق مع رسالة الماوردي اتفاقا كبيرا، وإن كانت تؤكد في بعض المواضع وجهة نظر المذهب الحنفي - الذي ينتمي إليه أبو يعلى - حيثما وجد اختلاف بينه وبين وجهة نظر المذهب الشافعي الذي يعبر عنه الماوردي. وهناك أفكار مشابهة يمكن أن تجدها في كتابين تم تأليفهما في التوقيت نفسه تقريبا، وهما كتابا عبد القاهر البغدادي
24
وابن حزم
25
صفحه نامشخص