اسلام شریک: مطالعات درباره اسلام و مسلمانان
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
ژانرها
28
أما أحمد بن حنبل فقد اعتبر أن «الفيء» ليس من حق جماعة مخصوصة، بل هو من حق المسلمين أجمعين.
29
وأما الفقيه الذي فحص المسألة فحصا دقيقا وشاملا فهو أبو عبيد (المتوفى سنة 228 للهجرة/838 ميلادية)، وقد أقر بصحة الحديث الشريف الذي رواه بريدة وتضمن استبعاد البدو المسلمين من غير المهاجرين لفترة زمنية محددة من أن يكون لهم نصيب في الفيء، ولكنه وجد أن كلا من الحديث والأوامر والتعاليم المرتبطة بالهجرة قد بطل العمل بهما بعد ذلك بحيث أصبح من حق المسلمين جميعا، بما فيهم غير المهاجرين، أن يحصلوا على أنصبتهم من مال «الفيء». ولكن «أبو عبيد»
30
قصر حق البدو في الحصول على هذا المال على الحالات الطارئة والمفاجئة المترتبة على هجوم المشركين وعلى المجاعة والأخذ بالثأر، كما قرر أن «أهل الحاضرة» من السكان المقيمين الذين دافعوا عن الإسلام هم وحدهم الذين يستحقون العطاءات المنتظمة. ويبدو أخيرا أن الإمام الشافعي (المتوفى سنة 204ه/820م) كان محقا كل الحق عندما قال: لم يختلف أحد ممن قابلتهم على أن البدو الذين يستحقون الصدقة لا حق لهم في العطاءات.
31
هكذا كان من المهم لأغراض عملية، وبعيدا عن صيغ الفقهاء وتعبيراتهم الدقيقة، أن يستثنى البدو من حق الحصول على العطاءات - لا بالفعل فحسب، بل كذلك من الناحية القانونية أو الشرعية - وذلك بحكم كونهم لم يشتركوا مع الجيوش الإسلامية في الجهاد. وهذا يتسق تماما مع الموقف التاريخي. فقد حارب الإسلام النزعة القبلية لدى البدو الأعراب، وطالب المؤمنين، على المستوى الفكري، بالخضوع لأوامر الإله الواحد بدلا من السعي وراء تحقيق الحياة والذات عن طريق المشاركة في أمجاد القبيلة، كما طالب البدو - على المستوى الاجتماعي - بترك القبيلة والانضمام إلى الجماعة الإسلامية العالمية، وإذا كان بعض البدو قد منحوا الوضع الشكلي للهجرة بغير القيام بهجرة حقيقية، فإن مثل هذه الحالات بقيت مجرد حلول وسط استثنائية. فالواقع أن غير المهاجر قد نظر إليه بوجه عام بوصفه مسلما من الدرجة الثانية . وعندما بدأ المد الإسلامي، حلت المشاركة في الجهاد محل الهجرة وأصبحت هي المعيار الذي يقاس عليه إيمان المسلم الصحيح. والواقع أن هذا لم يكن شيئا متعارضا مع أسلوب الحياة البدوية، فالمحاربون - الذين يفترض فيهم أن يكونوا دائما على أهبة الاستعداد وتحت الطلب - كانوا ملزمين بالعيش داخل «الأمصار» أو «مدن العسكر».
وعندما تحولت العطاءات التي كانت تمنح لكل مسلم صحيح الإسلام مع مرور الزمن إلى أجور للجند، فقدت التفرقة الشكلية بين المسلم الصحيح والبدوي الكثير من أهميتها، وقد تزامن ذلك التطور مع بروز ظاهرة أخرى، وهي خضوع أعداد ضخمة من سكان الريف للحكم الإسلامي، الأمر الذي جعل فقهاء المدن يعتبرون من وجهة نظرهم أن العلاقة بين هؤلاء الريفيين أو الفلاحين وبين الجماعة الإسلامية شبيهة بعلاقة البدو بها. وقد لاحظ أبو عبيد على سبيل المثال، في سياق المناقشة السابقة الذكر، أن «من سكن القرى والسواد (أي الأرض الزراعية) والجبال» ينطبق عليهم الوضع الشرعي نفسه الذي للبدو.
32
صفحه نامشخص