اسلام شریک: مطالعات درباره اسلام و مسلمانان
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
ژانرها
وهنالك أيضا إجماع تام، على الأقل بشكل عام، على وضع المؤمن والكافر والمواقف التي ينبغي أن تتخذها الجماعة الإسلامية منهما. فيجب في المقام الأول عدم التسرع بتكفير أي إنسان. صحيح أن مظاهر الكفر ينبغي أن تسمى باسمها، ولكن الحرص والحذر الشديدين مطلوبان تجاه الشخص المقصود؛ إذ يجب ألا يعلن أنه كافر حتى تتوافر جميع المقتضيات الشرعية في الشهادة، وهي الوفاء بالشروط وغياب الموانع. وقد تكون هناك أعذار تبرر سلوك الشخص أو أسباب كافية تجعله يستحق عفو الله، ولذلك كان الزعم بأن الله سيعاقبه بالعذاب في النار خرقا خطيرا لقوانين العدل والرحمة الإلهية (ياسين: المرجع السابق، ص120 وبعدها).
وهناك من جهة أخرى إجماع على وجوب التفرقة بين معاملة الشخص المشتبه في كفره في هذه الدنيا ومعاملته في الآخرة، فلا يجوز بطبيعة الحال أن يدعي أحد أنه مطلع على أسرار القلوب؛ لأن هذا من حق الله وحده، ولا بد أن يترك له سبحانه الحكم على هذا الشخص في الدار الآخرة. ولكن الأحكام التي تتعلق بهذا العالم هي شأن من شئون الناس. فإذا وجدوا، اعتمادا على أعمال شخص معين، أنه قال أو فعل شيئا يبطل إيمانه، فيتحتم عليهم أن يطبقوا عليه قوانين الشرع ليمنعوه من ممارسة «بدعه» التي تستلزم تكفيره (ياسين، ص88، 98، 121 وبعدها).
هذا المبدأ العام، وإن يكن مهما في ذاته، إلا أنه لا يوضح طبيعة الإجراءات المرتبطة بتنفيذه، وتلك مسألة اهتمت بها التيارات المتطرفة والمعتدلة على اختلاف مواقفها من قضية التكفير. وقد ذكر ياسين - الذي تتبعنا عرضه لهذا المبدأ - مثلا ملموسا لتطبيقه على الشخص الذي يشتبه في ارتداده عن الدين؛ فلا بد أن يطلب منه التوبة، فإذا لم يفعل وجب قتله (المرجع السابق، ص121-122) ويبدو أن هذا الكاتب يريد أن يحول دون الوصول إلى هذه النتيجة المؤلمة أو يجعل الوصول إليها أمرا صعبا، فهو يضيف إلى ما سبق أن مثل هذه الأمور لا ينبغي أن يبت فيها عامة المسلمين، بل أولئك الذين يملكون وسائل الحكم واتخاذ القرار في الدولة الإسلامية، وفي حالة الحكم بالإعدام ينبغي أن يترك الأمر للإمام (أو رئيس الدولة) نفسه (ص122).
ويظهر كذلك الميل إلى الرفق واللين عندما يتم التوسع في حدود ما هو مقبول من المؤمن. فالدكتور محمد شامة، وهو أستاذ بجامعة الأزهر وأتم دراسته في ألمانيا، يصرح بأن الإنسان لا يقع في الكفر إذا أعطى نفسه حرية تفسير دلالة القرآن، لأن النص وحده هو الذي يؤخذ به ويرجع إليه كشيء نهائي (ص31 من كتابه الذي جمع فيه أحاديثه في الإذاعة تحت عنوان: الإسلام كما ينبغي أن نعرفه) ويقلب الشيخ محمود شلتوت الموقف لصالح المرتد حين يعلن أن الشخص الذي تخلى عن دين الإسلام لا تجري عليه أحكام المسلمين في هذه الدنيا، أي إنه لا يطالب بالعبادات ولا يحظر عليه شرب الخمر وأكل لحم الخنزير أو التجارة فيهما، ومن ناحية أخرى لا يغسل المسلمون جثمانه حين يموت ولا يصلون عليه، كما أن قريبه المسلم لا يرثه ولا هو يرث قريبه (المرجع السابق، ص12) والمهم على كل حال أن هذا الرأي يتفق أيضا على أن الإيمان لا يشمل الفرد وحده وعلاقته بربه، بل يمتد كذلك إلى عضويته في جماعة المؤمنين.
وهناك ظلال اختلاف أوضح حول الموقف من غير المسلمين في مقابل المرتدين. فثمة شبه إجماع على أنهم أيضا من الكفار. وعلى الرغم من حرصه الشديد في مسألة التكفير، فإن «ياسين» يقرر أن اليهود والنصارى قد عرفوا بأنهم كفار، وأن من الكفر إنكار ذلك (المرجع السابق، ص106)، وشروحه في هذا الموضوع مصبوغة صبغة قوية بتجارب المسلمين في العالم الحديث مع غير المسلمين.
فهو ينتقد أي موالاة لهم انتقادا حادا، لأن هذه الموالاة تعني بالضرورة العداء للإسلام. وينبغي على الحكام المسلمين بوجه خاص ألا يستعينوا بهؤلاء الكفرة كمستشارين لهم، ولا يشجعوا الجماعة الإسلامية على تقليدهم في أمور الحياة، ولا يتبنوا قوانينهم ومناهجهم (والخوف من القوى العظمى ليس مبررا للانصياع لهم (ص106 وبعدها)).
ويبدو بوضوح أن «محمد شامة» يفكر في أمثال هؤلاء من غير المسلمين عندما يذهب إلى أن النجاح المادي للكفار في هذه الدنيا لا يعني أن الله راض عن موقفهم من العقيدة الإسلامية. ولكنه يجد نفسه مضطرا إلى التفرقة بين فئات مختلفة من الكفار، والاعتراف بأن بعضهم يعمل أعمالا صالحة لخير مواطنيه وللبشرية. ولما كان الإيمان هو الأمر الحاسم في النهاية، فإن هذا لن ينجيهم من النار. ولكن النار، كالجنة، فيها مراتب ودرجات، والأخيار من الكفار سيوضعون فيها بحيث يقاسون من العذاب أقل مما يقاسيه الأشرار (المرجع السابق، ص55 وبعدها).
ويبدي «حبنك الميداني»، الذي يبين أيضا أن الكفار ينبغي تصنيفهم حسب مواقفهم من الإيمان وحسب أعمالهم (المرجع السابق، المجلد الثاني، ص410)، يبدي قدرا من الرفق واللين نحو اليهود والنصارى حين يؤكد أن الديانات السماوية كانت منذ البداية ديانة واحدة، بحيث يمكن أن نطلق عليها جميعا صفة الإسلام. ومع أنه يضطر إلى التسليم بأنها قد أصبحت ديانات منفصلة بسبب التغيير والإفساد اللذين أصاباها، فإنه يتجنب وصف أصحابها بالكفار (المجلد الأول، ص84 وبعدها).
ويعود الشيخ شلتوت فيذهب إلى أبعد مدى في نفوره من الحكم على أصحاب الديانات الأخرى بأنهم كفار، وفي ذلك يقول إن الشعوب النائية التي لم تبلغها عقيدة الإسلام، أو بلغت إليهم بصورة سيئة منفرة، أو لم يفهموا حججها وأدلتها على الرغم من الجهود التي بذلوها في دراستها، هذه الشعوب النائية آمنة من عقاب الكفار في الآخرة، ولا يطلق عليها اسم الكفار (المرجع السابق، ص13).
وأخيرا فعلى الرغم من وجود خلافات كبيرة بين الاتجاهات العديدة في الفكر الإسلامي، فلا يملك القارئ إلا أن ينبهر بالقدر الكبير الذي توصلت إليه من الاتفاق على مجموعة من المسائل المهمة، ونخص بالذكر منها اليقين بأن المسلم يضمن نعمة الخلود في الجنة بفضل إيمانه. والواقع أن الأحكام التي يصدرها أحيانا بعض المجادلين المسيحيين بأن الإسلام يؤمن بالتبرير عن طريق الأعمال، أو أن الأخلاق الإسلامية لا تمد جذورها في قلب الإنسان، هي أحكام بعيدة كل البعد عن الحقيقة. وأن النتائج التي توصلت إليها هذه النخبة الكبيرة من المفكرين الإسلاميين لتتجاوب بكل تأكيد مع النزوع الديني العميق الكامن في الإسلام.
صفحه نامشخص