Islam: Its Foundations and Concepts
الإسلام أصوله ومبادئه
ناشر
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٢١هـ
محل انتشار
المملكة العربية السعودية
ژانرها
[توطئة]
الإسلام أصوله ومبادؤه
صفحه نامشخص
بسم الله الرحمن الرحيم
توطئة الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، والحمد لله الذي جعلنا من أتباع محمد ﷺ، والحمد لله الذي من علينا فجعلنا من المتمسكين بهديه، الداعين إلى سبيله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، أذعن له البر والفاجر، وشهدت بعدله وفضله الأبصار والبصائر، هدى من شاء - بفضله - إلى صراطه المستقيم، وصرف عن سبيله - بعدله - من استحق العذاب المقيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ﷺ، أفنى عمره جهادا ومجاهدة وصبرا ومصابرة، ودعا إلى سبيل ربه في كل ساحة وواد، ونادى: حي على الفلاح حي على الجهاد، خصه الله بخصائص عظيمة تجل عن الحصر، وجعل شريعته باقية إلى يوم القيامة، ودعاته من خلفه يحملون راياته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلا تزال طائفة منهم على الحق منصورة لا يضرها من خذلها أو خالف أمرها، إذ هم على بصيرة من أمرهم، يقتفون أثر نبيهم محمدا ﷺ: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾ [يوسف: ١٠٨] ٤ ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: ١٠٨]
1 / 3
(١) يدعون من ضل إلى الهدى، ويحذرون الخلق من الهلاك والردى، رغبة فيما عند الله، ولئلا يتشبهوا بأهل الكتاب الذين أخذ عليهم الميثاق فنبذوه وراء ظهورهم، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران: ١٨٧] (٢) .
أما بعد. . فإن كل من عمل في ميدان طباعة الكتب الإسلامية ونشرها وترجمتها يدرك عظم الحاجة إلى كتاب يدعو غير المسلمين إلى الإسلام، لأن الكتب التي تناولت الإسلام كثيرة جدا، سواء كانت مجملة أم مفصلة، ولكن قد لا تجتمع فيها الشروط المطلوبة في دعوة غير المسلمين، لأن بعضها ألف للمسلمين ولم يقصد به غير المسلمين، وبعضها فيه تفصيل في مسائل العبادات لا يناسب بسطه أمام غير المسلمين، وبعضها اشتمل على ملاحظات تمنع الإفادة منه.
وقد عنيت بذا الأمر - منذ مدة - وكالة شؤون المطبوعات بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ولم تجد ذلك الكتاب الذي تطمح إليه، ولم يتيسر لنا في الوكالة الاتفاق مع مؤلف لكتابته، وإن كنا عرضنا ذلك على بعض المختصين، ولكن حال دون ذلك عقبات لعل مردها إلى كثرة الذنوب، والتقصير في حق علام الغيوب.
_________
(١) سورة يوسف، الآية: ١٠٨.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ١٨٧.
1 / 4
وبين آونة وأخرى يرد إلينا كتاب من مهتد جديد أو من مركز إسلامي يطلب منا أن نرشح له كتابا ليترجمه إلى أبناء أمته، مما يناسب أن تخاطب به أمم الكفر، فنلتمس يمينا وشمالا فلا نجد ذلك الكتاب، ونشعر بالضيق والحرج في عجزنا أن نبلغ شرع الله من خلال كتاب مختصر موجز.
وبعد ذلك رأيت أن التسويف آفة لا تنتهي، وأن رجاء المعدوم وانتظاره سفه، وأنه لا عذر لنا في تقصيرنا، فاستخرت الله وسألته العون والتوفيق على كتابة كتاب يسد تلك الثغرة - ولو مؤقتا -، ويحقق شيئا من ذلك الحلم الذي طالما راودنا، ولا أدعي أنني حققت تلك الغاية التي كنا نطمح إليها، ولكنني أحاول أن أختط الطريق ليعمره من بعدي، وأضع البذرة، ليسقيها غيري.
وقد حاولت قدر المستطاع أن أعرض الإسلام في هذا الكتاب عرضا موجزا من خلال التعريف بأركان الإسلام ومبادئه العظام، وما يتطلبه البيان من ذكر بعض المسائل والقضايا التي لا بد من التعريف بها عند الدعوة إلى الإسلام.
وقد اعتمدت في هذا المنهج على الأحاديث الجامعة مثل خبر بعث معاذ ﵁ إلى اليمن حينما قال له النبي ﷺ: «إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله،
1 / 5
فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» (١) وعلى حديث عمر بن الخطاب ﵁ حيث قال: «بينما نحن عند رسول الله ﷺ ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي ﷺ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله ﷺ: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. . . إلى أن قال: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» (٢) .
_________
(١) رواه البخاري في كتاب الزكاة باب: ٤١، ومسلم في كتاب الإيمان حديث رقم: ٢٩، واللفظ له.
(٢) رواه مسلم في كتاب الإيمان، حديث: ٨.
1 / 6
ففي هذين الحديثين بين النبي ﷺ أصول الإيمان والإسلام والإحسان، ولم يتجاوز ذلك إلى فروع المسائل، بل في الحديث الأول لم يذكر ﷺ لمعاذ الصيام والحج، وعلل العلماء ذلك بتعليلات ليس هذا أوان بسطها.
كما حاولت - قدر المستطاع - أن أستشهد لكل مسألة من مسائل العقيدة بآية أو أكثر من كتاب الله، استئناسا بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٦] (١) فينبغي أن يسمعوا كلام الله، لأن له طلاوة تسلب العقول، وتأخذ بالألباب، كما أن كثيرا ممن أسلم يذكر أنه قرأ آيات من القرآن الكريم فكانت سبب هدايته، وقد حاولت - جاهدا - أن أتجنب بعض المسائل التي قد تستدعي التساؤلات والاعتراضات إلى ذهن القارئ، كذلك آثرت عدم الرد على بعض الشبهات، واكتفيت بذكر الأدلة والأصول التي تنفي هذه الشبهة أو تلك.
واجتهدت أن يكون خفيفا لطيفا كالأدلة الإرشادية، بعيدا عن الأبواب والفصول، وثقل الكتب المنهجية.
وهذا العمل جهد بشري مطبوع بطابع البشر فيه أن الضعف والنقص والخطأ، فما كان فيه من صواب وسداد فمن الله، وأسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن يتقبله مني، وأن يكتب له
_________
(١) سورة التوبة، الآية: ٦.
1 / 7
القبول، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان، والله ﷾ منزه عن الخطأ والتقصير، وأسأل الله أن يبدل خطأ هذا الكتاب صوابا، وضلاله رشادا.
وأشكر في نهاية هذا التمهيد كل من سعى لإخراج هذا الكتاب وطبعه وترجمته ونشره، وأسأل الله أن يضاعف لهم الأجر والمثوبة، وأن يجعله من العمل الصالح والعلم النافع، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحصد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
المؤلف
د. محمد بن عبد الله بن صالح السحيم
ص ب ١٠٣٢ - الرياض ١١٣٤٢
1 / 8
[المقدمة]
المقدمة (١) إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﷺ تسليما كثيرا.
أما بعد: فقد أرسل الله رسله إلى العالمين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وأنزل الكتب هدى ورحمة ونورا وشفاء، فكان الرسل فيما مضى يبعثون إلى أقوامهم خاصة، ويستحفظون كتبهم؛ فلذلك اندثرت كتاباتهم، وحرفت وبدلت شرائعهم؛ لأنها أنزلت لأمة محدودة، في فترة معدودة.
ثم اختص الله نبيه محمدا ﷺ بأن جعله خاتم الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: ٤٠] (٢) وأكرمه بخير كتاب أنزل، وهو القرآن العظيم،
_________
(١) تبدأ ترجمة الكتاب من هذه المقدمة، أما ما قبلها فلا يترجم.
(٢) سورة الأحزاب، الآية: ٤٠، هذا نص من الكتاب العظيم [القرآن الكريم] الذي أنزله الله على محمد ﷺ، وفي كتابي هذا نصوص كثيرة من [القرآن الكريم]، وهي تسبق دائما بقوله: قال الله تعالى، أو قال تعالى، أو قال جل ثناؤه، أو قال سبحانه، وتجد تعريفا موجزا بالقرآن العظيم في ص: ١١٣ - ١٢٠، ١٣٤ - ١٣٧ من هذا الكتاب.
1 / 9
وتكفل سبحانه بحفظه، ولم يترك حفظه لخلقه، فقال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩] (١) وجعل شريعته باقية إلى قيام الساعة، وبين - سبحانه - أن من لوازم بقاء شريعته الإيمان بها، والدعوة إليها، والصبر عليها، فكان منهج محمد ﷺ ومنهج أتباعه من بعده الدعوة إلى الله على بصيرة، قال - تعالى - موضحا هذا المنهج: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: ١٠٨] (٢) وأمره بالصبر على الأذى في سبيل الله فقال تعالى ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٣٥] (٣) وقال جل ثناؤه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ٢٠٠] (٤) واتباعا لهذا المنهج الإلهي الكريم كتبت هذا الكتاب دعوة إلى سبيل الله، مستبصرا بكتاب الله، ومسترشدا بسنة رسوله ﷺ، وبينت فيه بيانا موجزا خبر خلق الكون، وخلق الإنسان وتكريمه، وإرسال الرسل إليه، وحال الديانات السابقة، ثم عرفت بالإسلام معنى وأركانا، فمن أراد الهدى، فهاهي أدلته بين يديه، ومن أراد النجاة فقد أوضحت له طريقها، فمن رغب في اقتفاء آثار الأنبياء والمرسلين والمصلحين فهاهي سبيلهم، ومن رغب عنهم فقد سفه نفسه، وسلك سبيل الضلال.
_________
(١) سورة الحجر، الآية: ٩.
(٢) سورة يوسف، الآية: ١٠٨.
(٣) سورة الأحقاف، الآية: ٣٥.
(٤) سورة آل عمران: الآية: ٢٠٠.
1 / 10
إن كل أصحاب ملة يدعون الناس إليها، ويعتقدون أن الحق فيها دون ما سواها، وكل أصحاب عقيدة يدعون الناس إلى اتباع صاحب عقيدتهم، وتعظيم قائد طريقهم.
أما المسلم فلا يدعو إلى اتباع طريقته، لأنه ليس له طريقة تخصه، إنما دينه دين الله الذي ارتضاه لنفسه، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: ١٩] (١) ولا يدعو إلى تعظيم بشر، فكل البشر في دين الله سواء لا فرق بينهم إلا بالتقوى، بل يدعو الناس إلى أن يسلكوا سبيل ربهم، ويؤمنوا برسله، ويتبعوا شرعه الذي أنزله على خاتم رسله محمد ﷺ، وأمره أن يبلغه إلى الناس كافة.
ومن أجل ذلك فقد حررت هذا الكتاب دعوة إلى دين الله الذي ارتضاه لنفسه، وأنزل به خاتم رسله، وإرشادا لمن أراد الهداية، ودليلا لمن أراد السعادة، فوالله لن يجد مخلوق السعادة الحقيقية إلا في هذا الدين، ولن يعرف الطمأنينة إلا من آمن بالله ربا، وبمحمد ﷺ رسولا، وبالإسلام دينا، فقد شهد الآلاف من المهتدين إلى الإسلام - في قديم الدهر وحديثه - بأنهم لم يعرفوا الحياة الحقيقية إلا بعد إسلامهم، ولم يذوقوا السعادة إلا في ظلال الإسلام. . . ولأن كل إنسان يتطلع إلى السعادة، ويبحث عن الطمأنينة، ويتحرى الحقيقة،
_________
(١) سورة آل عمران، الآية: ١٩.
1 / 11
فقد أعددت هذا الكتاب، وأسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه، داعيا إلى سبيله، وأن يكتب له القبول، وأن يجعله من العمل الصالح الذي ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة.
وقد أذنت لمن أراد طبعه بأية لغة، أو ترجمته إلى أية لغة شريطة أن يلتزم الأمانة في نقله إلى اللغة التي سيترجمه إليها، وأن يتكرم علي بنسخة من ترجمته للإفادة منها، ولئلا تتكرر الجهود.
كما أرجو من كل من له ملحوظة أو استدراك سواء على أصل الكتاب باللغة العربية، أو في أية ترجمة لهذا الكتاب أن يوافيني بها على العنوان المذكور هنا.
والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، وله الحمد علانية وسرا، وله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شاء من شيء ربنا، وصلى الله على نبينا محمد وصحبه ومن سار على منهجه وسلك سبيله وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
المؤلف
د. محمد بن عبد الله بن صالح السحيم
الرياض ١٣ / ١٠ / ١٤٢٠ هـ
ص. ب ١٠٣٢ الرياض ١٣٤٢
وص. ب ٦٢٤٩ الرياض ١١٤٤٢
1 / 12
[أين الطريق]
أين الطريق؟ حينما يكبر الإنسان ويعقل تتوارد على ذهنه أسئلة كثيرة من مثل: من أين جئت؟ ولماذا جئت؟ وإلى أين المصير؟ ومن خلقني وخلق هذا الكون من حولي؟ ومن يملك هذا الكون ويتصرف فيه؟ إلى غير ذلك من الأسئلة.
ولا يستطيع الإنسان أن يستقل بمعرفة إجابات هذه الأسئلة، ولا يقدر العلم الحديث أن يرتقي إلى الإجابة عنها، لأن هذه القضايا مما يدخل ضمن دائرة الدين، ولأجل ذلك تعددت الروايات، وتنوعت الخرافات والأساطير حول هذه المسائل مما يزيد في حيرة الإنسان وقلقه، ولا يمكن أن يقف الإنسان على الإجابة الشافية الكافية لهذه المسائل إلا إذا هداه الله إلى الدين الصحيح الذي يأتي بالقول الفصل في هذه المسائل وغيرها، لأن هذه القضايا تعد من الأمور الغيبية، والدين الصحيح هو الذي ينفرد بالحق وقول الصدق، لأنه وحده من الله أوحاه إلى أنبيائه ورسله، ولذا كان لزاما على الإنسان أن يقصد الدين الحق ويتعلمه ويؤمن به، لتذهب عنه الحيرة، وتزول عنه الشكوك، ويهتدي إلى الصراط المستقيم.
وفي الصفحات التالية أدعوك إلى اتباع صراط الله المستقيم، وأعرض أمام ناظريك بعض أدلته وبراهينه وحججه، لتنظر فيها بتجرد وتمعن وأناة.
1 / 13
[وجود الله وربوبيته ووحدانيته وألوهيته سبحانه]
وجود الله وربوبيته
ووحدانيته وألوهيته سبحانه (١) يعبد كثير من الناس آلهة مخلوقة مصنوعة كالشجر والحجر والبشر، ولذا سأل اليهود والمشركون رسول الله ﷺ عن صفة الله ومن أي شيء هو، فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - اللَّهُ الصَّمَدُ - لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١ - ٤] (٢) وعرف عباده بنفسه فقال جل ثناؤه: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٥٤] (٣) وقال عز من قائل: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ - وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ﴾ [الرعد: ٢ - ٣] إلى أن قال تعالى
_________
(١) لمزيد من التوسع ينظر كتاب: " العقيدة الصحيحة وما يضادها "، تأليف سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز ﵀، و" عقيدة أهل السنة والجماعة " تأليف الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
(٢) سورة الإخلاص.
(٣) سورة الأعراف، الآية: ٥٤.
1 / 14
﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ - عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ [الرعد: ٨ - ٩] (١) وقال جل ثناؤه: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الرعد: ١٦] (٢) وأقام سبحانه لهم آياته شواهد وبينات، فقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ - فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ - وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت: ٣٧ - ٣٩] (٣) وقال سبحانه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ - وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [الروم: ٢٢ - ٢٣] (٤) ووصف نفسه بنعوت الجمال والكمال فقال تعالى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ﴾ [البقرة: ٢٥٥] ١٦ ﴿مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ [البقرة: ٢٥٥]
_________
(١) سورة الرعد، الآيات: ٢، ٣، ٧، ٨.
(٢) سورة الرعد، ١٦.
(٣) سورة فصلت، الآيات: ٣٧ - ٣٩.
(٤) سورة الروم، الآيتان: ٢٢، ٢٣.
1 / 15
(١) وقال تعالى: ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [غافر: ٣] (٢) وقال جل ثناؤه: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الحشر: ٢٣] (٣) .
هذا الرب الإله الحكيم القادر الذي عرف عباده بنفسه، وأقام لهم آياته شواهد وبينات، ووصف نفسه بصفات الكمال دلت على وجوده وربوبيته وألوهيته الشرائع النبوية، والضرورة العقلية، والفطرة الخلقية، وأجمعت الأمم على ذلك، وسأبين لك شيئا من ذلك فيما يلي، فأما أدلة وجوده وربوبيته فهي:
١ - خلق هذا الكون وما فيه من بديع الصنع: يحيط بك أيها الإنسان هذا الكون العظيم ويتكون من سماوات وكواكب ومجرات، وأرض ممدودة فيها قطع متجاورات يختلف ما ينبت فيها باختلافها، وفيها من كل الثمرات، ومن كل المخلوقات تجد زوجين اثنين. . فهذا الكون لم يخلق نفسه، ولا بد له من خالق حتما، لأنه لا يمكن أن يخلق نفسه، فمن الذي خلقه على هذا النظام البديع؟ وأكمله هذا الكمال الحسن؟ وجعله آية للناظرين إلا الله الواحد القهار
_________
(١) سورة البقرة، الآية: ٢٥٥.
(٢) سورة غافر، الآية: ٣.
(٣) سورة الحشر، الآية: ٢٣.
صفحه نامشخص
الذي لا رب سواه ولا إله غيره؟ قال تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ - أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ﴾ [الطور: ٣٥ - ٣٦] (١) فتضمنت هاتان الآيتان ثلاث مقدمات هي:
١ - هل خلقوا من العدم؟
٢ - هل خلقوا أنفسهم؟
٣ - هل خلقوا السماوات والأرض؟
فإذا لم يكونوا خلقوا من عدم، ولم يخلقوا أنفسهم، ولم يخلقوا السماوات والأرض، فتعين أنه لا بد من الإقرار بوجود خالق خلقهم وخلق السماوات والأرض، وهو الله الواحد القهار.
٢ - الفطرة: الخلق مفطورون على الإقرار بالخالق، وأنه أجل وأكبر وأعظم وأكمل من كل شيء، وهذا الأمر راسخ في الفطرة أشد رسوخا من مبادئ العلوم الرياضية، ولا يحتاج إلى إقامة الدليل إلا من تغيرت فطرته، وعرض لها من الأحوال ما يصرفها عما تسلم به (٢) قال تعالى: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [الروم: ٣٠] (٣) وقال ﷺ: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه
_________
(١) سورة الطور، الآيتان: ٣٥، ٣٦.
(٢) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جـ١، ص: ٤٧ - ٤٩، ٧٣.
(٣) سورة الروم، الآية: ٣٠.
2 / 17
يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠]» (١) وقال - أيضا ﷺ: «ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا: كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا» (٢) .
٣ - إجماع الأمم: أجمعت الأمم - قديمها وحديثها - بأن لهذا الكون خالقا وهو الله رب العالمين، وأنه خالق السماوات والأرض، ليس له شريك في خلقه، كما أنه ليس له شريك في ملكه سبحانه.
ولم ينقل عن أية أمة من الأمم الماضية أنها كانت تعتقد أن آلهتها شاركت الله في خلق السماوات والأرض، بل كانوا يعتقدون أن الله خالقهم وخالق آلهتهم، فلا خالق ولا رازق غيره، والنفع والضر بيده سبحانه (٣) قال تعالى مخبرا عن إقرار المشركين بربوبيته:
_________
(١) رواه البخاري في كتاب القدر، باب ٣، ومسلم في كتاب القدر، حديث: ٢٦٥٨، واللفظ له.
(٢) رواه الإمام أحمد في مسنده، جـ ٤، ص: ١٦٢، ورواه مسلم واللفظ له في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث: ٢٨٦٥.
(٣) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جـ ١٤، ص: ٣٨٠ - ٣٨٣، وجـ ٧، ص: ٧٥.
2 / 18
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ - اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ - وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٦١ - ٦٣] (١) وقال جل ثناؤه: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ [الزخرف: ٩] (٢) .
٤ - الضرورة العقلية: لا تجد العقول بدا من الإقرار بأن لهذا الكون خالقا عظيما، لأن العقل يرى الكون مخلوقا محدثا، وأنه لم يوجد نفسه، والمحدث لا بد له من محدث.
والإنسان يعلم أنه تمر به أزمات ومصائب، وحينما لا يقدر البشر على دفعها فإنه يتجه بقلبه إلى السماء، ويستغيث بربه ليفرج همه، ويكشف غمه، وإن كان في سائر أيامه ينكر ربه ويعبد صنمه، فهذه ضرورة لا تدفع، ولا بد من الإقرار بها، بل إن الحيوان إذا ألمت به مصيبة رفع رأسه وشخص ببصره إلى السماء، وقد أخبر الله عن الإنسان أنه إذا أصابه ضر أسرع إلى ربه يسأله أن يكشف ضره، قال تعالى:
_________
(١) سورة العنكبوت، الآيات: ٦١ - ٦٣.
(٢) سورة الزخرف، الآية: ٩.
2 / 19
﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾ [الزمر: ٨] (١) وقال تعالى مخبرا عن حال المشركين: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ - فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ٢٢ - ٢٣] (٢) وقال عز من قائل: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ [لقمان: ٣٢] (٣) .
هذا الإله الذي أوجد الكون من عدم، وخلق الإنسان في أحسن تقويم، وركز في فطرته عبوديته والاستسلام له، وأذعنت العقول لربوبيته وألوهيته، وأجمعت الأمم على الاعتراف بربوبيته. . . لا بد أن يكون واحدا في ربوبيته وألوهيته، فكما أنه لا شريك له في الخلق، فكذلك لا شريك له في ألوهيته، والأدلة على ذلك كثيرة منها (٤) .
١ - ليس في هذا الكون إلا إله واحد هو الخالق الرازق، ولا يجلب النفع ويدفع الضر إلا هو، ولو كان في هذا الكون إله آخر لكان
_________
(١) سورة الزمر، الآية: ٨.
(٢) سورة يونس، الآية: ٢٢، ٢٣.
(٣) سورة لقمان، الآية: ٣٢.
(٤) ينظر من التوسع كتاب التوحيد تأليف الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب ﵀.
2 / 20
له فعل وخلق وأمر، ولا يرضى أحدهما بمشاركة الإله الآخر (١) ولا بد لأحدهما من مغالبة الآخر وقهره، والمغلوب لا يمكن أن يكون إلها، والغالب هو الإله الحق، لا يشاركه إله في ألوهيته كما لم يشاركه إله في ربوبيته، قال تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [المؤمنون: ٩١] (٢) .
٢ - لا يستحق العبادة إلا الله الذي له ملك السماوات والأرض، لأن الإنسان يتقرب إلى الإله الذي يجلب له النفع ويدفع عنه الضر، ويصرف عنه الشر والفتن، وهذه الأمور لا يستطيعها إلا من ملك السماوات والأرض وما بينهما، ولو كان معه آلهة كما يقول المشركون لاتخذ العباد السبل الموصلة إلى عبادة الله الملك الحق، لأن جميع هؤلاء المعبودين من دون الله إنما كانوا يعبدون الله ويتقربون إليه، فحري بمن أراد أن يتقرب إلى من بيده النفع والضر أن يعبد الإله الحق الذي يعبده من في السماوات والأرض بما فيهم هؤلاء الآلهة المعبودون من دون الله، قال تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٤٢] (٣) وليقرأ مريد الحق قوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [سبأ: ٢٢] ٢٢ ﴿لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ - وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: ٢٢ - ٢٣]
_________
(١) انظر: شرح العقيدة الطحاوية، ص: ٣٩.
(٢) سورة المؤمنون، الآية: ٩١.
(٣) سورة الإسراء، الآية: ٤٢.
2 / 21