اشتقاق اسماء نطق بها القرآن

ابن عزیر سجستانی d. 330 AH
85

اشتقاق اسماء نطق بها القرآن

كتاب معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن وجاءت بها السنن والأخبار وتأويل ألفاظ مستعملة

ژانرها

والهلاك ، يقال : ضل الشيء إذا ضاع وهلك ، ويقال للبهيمة إذا انقطعت عن صاحبها ضالة إذا بقيت بلا راع ، ولا حافظ، والضال الذي لا راعي له ، ولا حافظ ، وقيل في تفسير قوله : [أئذا ضللنا في الأرض] (¬3) أي بطلنا ولحقنا بالتراب ، فلم يوجد لنا أثر ، وضل الشيء إذا غاب عن عينك ، ولم يوجد له أثر ، وأضل القوم ميتهم إذا دفنوه ، وغيبوه في التراب ، والضلال الضياع والهلكة ، والضال الهالك الضائع الذي لا راعي له ، ولا حافظ ،وقد غاب عن عين صاحبه 0 الإسلام والإيمان : اختلف أهل العلم في الإسلام والإيمان ، فقال قوم هما اسمان لمعنى واحد ، ولا فرق بينهما ، واحتجوا بقوله : [فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ] (¬1) ، فقالوا: هؤلاء (المؤمنين) هم أهل ذلك البيت الذين وصفهم بالإسلام ، فدل على أن الإسلام والإيمان اسمان لمعنى ، ومن ذلك قول إبراهيم لبنيه : [فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون] (¬2) وغير ذلك من (الآيات) (¬3) ، وقال آخرون : الإسلام غير الإيمان ، واحتجوا في ذلك بأن الله تعالى ذكر الإسلام والإيمان في كتابه ، ففرق بينهما ، فقال : [ إن المسلمين والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات ] (¬4) فلو كان المعنى واحدا لما فرق بينهما في الاسم55 أوالصفة ، فإن جاز أن يفرق بينهما في الاسم والصفة ، ويكون المعنى واحدا فكذلك [ الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين ] (¬5) فإذا لا فرق بين هذه كلها ، والمعنى واحد إذ كانت في صفات المؤمنين ، وروي أن جبريل جاء إلى النبي عليه السلام في صورة أعرابي ، فسأله عن الاسلام ، ومعناه ، فقال النبي عليه السلام : (هو أن تسلم وجهك لله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم شهر رمضان ، وتحج البيت ، فذكر عرى الإسلام ، فقال : فإذا فعلت هذا فأنا مسلم ، قال : نعم ، وسأله عن الإيمان ، فقال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وبالموت وبالبعث بعد الموت ، وبالجنة والنار ، والقدر كله) (¬6) ، ففرق النبي عليه السلام بين الصفتين ، وروي عنه عليه السلام أنه قال : (المؤمن من أمن جاره بوائقه) (¬1) ، و(المسلم من سلم الناس من يده ولسانه) (¬2) ، وقال الله تعالى : [قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا] (¬3) فقال قوم معناه استسلمنا ، وذهبوا إلى أن الإسلام هاهنا هو الانقياد للطاعة ، دون الدخول في دين الاسلام ، والاسلام هو الانقياد بالطاعة ، والاستسلام كما قالوا ، ولكنه الانقياد بالدخول في دين الاسلام ، ولأن / النبي عليه السلام لم يقبل من هؤلاء الأعراب الذين 55ب خاطبهم بهذه الآية الاستسلام إلا مع قبول شرائط الاسلام ، ولم يقرهم على ما كانوا عليه من أمر الجاهلية ، ولا قبل منهم الجزية ، فمن زعم أن الاسلام هاهنا هو الاستسلام ، دون الدخول في شريعة الاسلام فقد أخطأ خطأ بينا ، لأن الله تعالى قد بين ذلك ، حيث يقول : [قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم] (¬4) فحكى عنهم أنهم قالوا آمنا ، فقال لهم لم (¬5) تؤمنوا ، فلو كان هذا الاستسلام دون الدخول في الملة لما قالوا آمنا ، وإن كان قولهم آمنا هو الدخول في الملة ، وقبول الشريعة ، فهو الدخول في الاسلام ، فإذا قد بين أن الاسلام غير الإيمان ، حيث يقول : [لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا] فأخرجهم من الإيمان ، وأقرهم في الإسلام ، وأما من احتج بأن الإسلام والإيمان واحد بقوله : [ فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ] (¬6) الآية ، فليس على ما ذهبوا إليه ، لأن الله خص هذا البيت ، وسمى أهله مسلمين ؛ لأنهم كانوا منقادين لله من بين جميع المؤمنين ، قد استسلموا له ، وسلموا أنفسهم إليه بإخلاص العبودية/ وانقطعوا إليه دون غيرهم من56 أالمؤمنين ، الذين لم يبلغوا مرتبتهم ، فوصفهم بالإيمان ، وذكر أنه لم يجد في هؤلاء المؤمنين إلا هذا البيت من المسلمين ، وقد قيل إن الإسلام في كتاب الله على وجهين : محمود ومذموم ، فالمذموم هو مثل إسلام الأعراب الذين ذكر الله ، ولم يرتضه لهم ، ولا قبله منهم قبول مجازاة ، فقال الله لهم : [ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا] (¬1) فاشترط عليهم إن آمنوا جازاهم على أعمالهم ، وهو الاستسلام والدخول في جملة المسلمين فرارا من الإسلام طوعا وكرها ، فمن كان إسلامه على هذا الوجه فهو مسلم ليس مؤمنا (¬2) ، وهو حرام الدم والمال ، وسائر أحكام المسلمين قد شركهم فيها على ظاهر أمره ، وحسابه على الله ، وهو إسلام الأعراب ، لأنهم قبلوه على جهالة منهم به كارهين ، فهم مسلمون غير مؤمنين ، وأسلم هاهنا معناه دخل في السلم ، والسلم والصلح ، كما قالوا : أربع دخل في الربيع ، وأشتى : دخل في الشتاء ، وقال الله تعالى : [ادخلوا في السلم كافة ] (¬3) فهو الإسلام بمنزلة الاستسلام ، وهو هذا الإسلام ، إسلام الأعراب ، وأما الإسلام المحمود ، فالاستسلام لله ورسوله بالطاعة / وقبول شرائط الإسلام ، وتسليم النفس بالعبودية ، والانقطاع إلى 56 ب الله تعالى ، مثل إسلام إبراهيم الخليل ، وما وصفه الله به ، حيث يقول : [ إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ] (¬4) فإنما أمره بإسلام نفسه إليه بإخلاص العبودية ، وأن لا يدعي لنفسه ملكا على نفسه ، وأن ينقطع إليه من بين جميع خلقه ، ولذلك أمر الله نبيه عليه السلام ، حيث يقول : [ واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ] (¬5) قال المفسرون : انقطع إليه انقطاعا ، والتبتل في كلام العرب الانقطاع ، قال امرؤ القيس : " من الطويل "

منارة ممسى راهب متبتل (¬1)

يعني به الراهب المنقطع إلى الله بإخلاص العبادة له ، وقيل لمريم : البتول ، لأنها كانت منقطعة إلى الله بإخلاص العبادة له 0والإسلام في اللغة على وجهين : أحدهما الانقياد بالطاعة ، والاستسلام ، قال الشاعر : " من المتقارب "

وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا (¬2)

المزن : السحاب ، وإسلامه انقياده لأمر الله ، فهو يجري بأمره ، كما شاء لا يخالف مشيئته ، فكذلك المسلم المنقاد له بالطاعة ، لا يخالف ما أمره إخلاصا له ، قال : أسلمت له المزن ، والإسلام في الوجه الآخر هو الانقطاع ، يقال : أسلمه إذا قطعه ، قال الأعشى (¬3) : " من المتقارب :

/ وفاضت دموعي فظل الشؤون إما وكيفا وإما انحدارا 57أ

كما أسلم السلك من نظمه لآلئ منحدرات صغارا

صفحه ۱۳۸