وعن بعض الكرامية نفي التجسيم وإثبات الجهة، وأنه تعالى بجهة فوق، وعن الكلابية صحة وصفة بأنه على العرش بلا استقرار، ويبطل قولهم جميعا أن الجهة والمكان من لوازم الجسمية وتوابعها، فلا يتصور ذلك مع نفيها الذي قامت الدلالة عليه وشبهتهم ما رود من السمع مما يقتضي بأنه تعالى فوق كقوله تعالى: {وهو القاهر فوق عباده}[الأنعام:18]{إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}[فاطر:10]، {بل رفعه الله إليه}[النساء:158] وما ورد من رفع اليدين عند الدعاء وهو متعارف عند الأمة غير متناكر.
والجواب: أن الأدلة العقلية قد قامت على نفي الجسمية وفي ذلك انتفاء لوازمها من الفوقية وغيرها، ويجب تأويل ما قضى ظاهره بخلاف ما قامت الدلالة القاطعة عليه، وتأويل مثل تلك الآيات والأفعال ظاهر غير مستور عند من له أدنى مسكه بعلم البيان، وكذلك لا يجوز عليه ما يجوز على الأعراض، ولذلك قال: (و) هو (لا يجوز عليه تعالى العدم والبطلان) والتضاد (والحلول في المحال؛ لأن ذلك من توابع الأعراض، وهو تعالى ليس بعرض) لما قررنا من أنه تعالى ليس بجسم ولا عرض فلا يثبت له ما يتفرع عليهما.
تنبيه: قال أصحابنا: يلزم المكلف في هذه المسألة أن يعلم أنه تعالى لا يشبه الأجسام والمتحيزات فيما لم يزل وفيما لا يزال، ولا يصح عليه مشابهتها في حال من الأحوال، ولا توابعها من الحركة والسكون، والصعود والهبوط والموت والعجز، والجهل والهرم، والسقم والحاجة، وأنه ليس بعرض ولا يشبه الأعراض فيما لم يزل وفيما لا يزال، فلا يصح كونه كذلك في حال من الأحوال، ولا يصح عليه خصائصها ولوازمها المتقدم ذكرها (فثبت أنه تعالى لا يشبه الأشياء) وأنه يجب على المكلف اعتقاد ذلك. والله أعلم.
صفحه ۴۳