(المسألة السادسة: أن الله تعالى قديم)
ومعنى القديم في اللغة: هو ما تقادم وجوده، ومنه {حتى عاد كالعرجون القديم}[يس: 39] (ومعنى القديم) في الاصطلاح: (هو الأول الذي لا أول لوجوده).
وقد اشتملت هذه المسألة على طرفين: أحدهما: أنه تعالى موجود، والثاني: أنه تعالى لا أول لوجوده، ولا خلاف بين أهل الإسلام وكثير من الفرق الكفرية، وهم المقرون بالصانع كاليهود والنصارى والبراهمة وبعض عبدة الأصنام في أنه موجود، وأما الباطنية فلعلهم يقولون في هذه المسألة كقولهم في سائر الصفات، ولا يحتاج إلى الاستدلال على وجوده عند من جعل الوجود هو ذات الموجود.
وأما جمهور المعتزلة فيجعلونه زائدا على الذات شاهدا وغائبا فاحتاجوا إلى الاستدلال وصحة ما يقولونه مبنية على أن المعدوم ذات، والدليل على أنه موجود أنه قادر عالم، والقادر العالم لا يكون إلا موجودا؛ لأن المعدوم يستحيل أن يكون قادرا على شيء أو عالما به، ألا ترى أن كثيرا من الموجودات كالجمادات والأعراض يستحيل أن تكون قادرة على شيء وعالمة به مع وجودها، وإذا كانت كذلك فالمعدوم أولى، (و)أما (الذي يدل على أن الله تعالى قديم أنه لولم يكن قديما) لا أول لوجوده بأن يكون لوجوده أولا (لكان محدثا)؛ لأن ذلك حقيقة المحدث (ولو كان محدثا لاحتاج إلى محدث) أحدثه قطعا لما تقدم من أن كل محدث يحتاج إلى محدث، والمحدث يحتاج إلى أن نتكلم فيه فنقول: هو إما قديم أو محدث، فإن كان محدثا تكلمنا في محدثه وقلنا: (وكل محدث يحتاج إلى محدث أحدثه، ومحدثه إلى محدث) فيتسلسل (إلى مالا نهاية) من المحدثين ومحدثيهم (وذلك محال) أو ينتهي إلى محدث قديم وهو المطلوب، فوجب الاقتصار على أنه قديم لا يحتاج إلى محدث، وهو الله تعالى فثبت أن الله تعالى قديم.
صفحه ۳۴