وأما الدعوى الرابعة (و) هي: (أن مالم يخل من المحدث ولم يتقدمه في الوجود فهو محدث) فقيل العلم بها ضرورة، وقال بعض العلماء: بل هي استدلالية فتحتاج إلى النظر والاستدلال.
وزعم ابن الراوندي والفلاسفة: أن الجسم قديم وهو لم يخل من الأعراض المحدثة بأن يحصل في الجسم حادث قبله حادث إلى مالا أول له، والجسم وإن قارن جملة الحوادث فلا أول لها، فكذلك لا أول له، وقولهم بحوادث لا أول لها ظاهر الفساد؛ لأنه إذا كان كل واحد من هذه الحوادث له فاعل كما سيأتي، وحق الفاعل أن يتقدم على فعله كان في ذلك تقدمه على جميعها، فلا يستقيم حصول شيء منها فيما لا أول له لتقدم غيرها عليها.
(فثبت) بما تقرر من الأصول الأربعة (أن هذه الأجسام محدثة) وظهر بطلان قول من قال بقدمها.
قيل: (و) قد اتفق العقلاء على أنه لا بد من محدث لهذا المحدث، قيل: والعلم بذلك ضروري، المهدي أحمد بن يحيى: بل استدلالي في الأصح، وإليه ذهب الجمهور والمؤلف فقال: (والذي يدل على أن المحدث لا بد له من محدث أنه) قد وجد في بعض المحدثات ما فيه إحكام عظيم، وصنعة باهرة، وإتقان عجيب، فلو كان ذلك لا من مؤثر، أو من موجب لصح أن يجتمع ألواح في البحر، ويتركب منها سفينة محكمة من دون صانع بطبع تلك الألواح، وأيضا فإن الجسم (إذا كان في الأصل معدوما، ثم خرج من العدم إلى الوجود لم يكن بد من مخرج أخرجه، وإلا لوجب بقاؤه على عدمه الأصلي) إذ قد أثبتنا وجوده بالأدلة بعد أن لم يكن (وذلك يعلم بأدنى نظر) ولذلك ادعى بعضهم أنه ضروري كما سبق.
صفحه ۲۳