وقد اختلف أصحابنا هل من العقلاء من ينكر أن للعالم مؤثرا، ويزعم أنه حاصل لا عن تأثير مؤثر، ولا يوجد في ذلك مخالف على الجملة، وإنما الخلاف في التفصيل، والذي عليه الجمهور: أن الخلاف واقع في المؤثر جملة، كما أنه واقع فيه تفصيلا، وأن من الناس من لم يثبت مؤثرا قط فقد روي نفي المؤثر عن الملحدة، والدهرية، والفلاسفة المتقدمين، والطبائعية، والذي عليه أهل الإسلام والكتابيون والبراهمة وبعض عباد الأصنام، وهم فرقة أقرت بالله وبالبعث وبالرسول، وعبدوا الأصنام معتقدين أن عبادتهم تقربهم إلى الله تعالى أن لهذا العالم صانعا مختارا.
(والدليل على ذلك) المذهب الصحيح الذي هو مذهب أهل الإسلام ومن تابعهم من وجوه كثيرة، اعتمد منها على دلالة الأكوان وطريقة الدعاوي، وأول من حررها ولخصها قيل: أبو الهذيل وتابعه عليها من بعده من المعتزلة.
وذكر الشيخ أحمد بن محمد الرصاص: أن أول من أشار إليها إبراهيم -صلى الله عليه- كما حكى الله عنه في آية الأفول، وهو (أن هذه الأجسام) على تنوعها من حيوان وجماد، ونام وغير نام (محدثة) والمحدث: هو الموجود الذي لوجوده أول (والمحدث لا بد له من محدث) وقالت الدهرية: بل هي قديمة لم يسبق وجودها عدم، ولا يخالفون في تراكيبها كالحوادث اليومية أنها محدثة (والذي يدل على) إبطال مذهبهم (أن هذه الأجسام محدثة أنها لم تخل من الأعراض المحدثة) ولم تتقدمها، وما لم يخل من المحدث ولم يتقدمه فهو محدث مثله، وهذه الدلالة مبنية على أربع دعاو وهي: أن في الجسم أعراضا غيره، وأنها محدثة، وأن الجسم لم يخل منها ولم يتقدمها، وأن مالم يخل من المحدث ولم يتقدمه فهو محدث، فهذه أربع.
أما الأولى: وهي أن في الجسم عرضا غيره، والعرض في اللغة: هو ما يعرض في الوجود ويقل لبثه.
وفي الاصطلاح: الحادث الذي لا يشغل الحيز، وهذا العرض هو غير الجسم عند مثبتي المعاني.
صفحه ۱۹