إن نطق رأيت البيان مُتسربًا من لسانه، وأدركت من بيانه تمام عرفانه، حوى الكمالات وحازها، وتحقق حقائق العلوم ومجازها، فالفضل حشو إبراده، والنُّبل تلو إصداره وإيراده، مع نفس عذبت صفاء، وشيمة ملئت وفاء، ومذهب صفا صفاء التِّبر، وخَلَصَ من شوائب الخيلاء والكبر، وسعَى لكل نُجح، واستوى على ذروة التحصيل والربح، وأدبٍ زرت على صدر السُّنَّة جيوبه؛ وهبَّت بعرف النفس المطمئنة صَبَاه وجنوبه.
وُلد رضي الله تعالى عنه أثناء سنة ست ومائتين وألف، وشبَّ في حِجْر والده، ويد العناية والرعاية تجذبه إلى أسنى مقاصده، وحينما بلغ سن التمييز؛ وجهه والده لتعليم القرآن العزيز، عند الفاضل الكامل، والعالم العامل، الشيخ فتح الله أفندي فقرأ القرآن، ثُمَّ حفظه على تمام الِإتقان، إلى أن صار يعتمد عليه فيه، ويطلب منه ما استتر من مشكلاته وخوافيه، وكان مواظبًا على تلاوة آياته، في غالب أوقاته، وتفقه على علامة وقته الشيخ صالح الزَّجاج، والشيخ حسن العطار المصري الأَزهري، والشيخ عبد الله الكردي، وغيرهم مما هو مذكور في "ثبته"، وقرأ كثيرًا من العلوم الآلية والشَّرعية، على من تقدم وعلى سادة ذوي مقامات علية، وشهرة سنية، منهم الشيخ عبد الرحمن الكُزْبري، والشيخ حامد العطّار، والشيخ نجيب القلعي، والشيخ عبد الرسول المكي، والشيخ عمر المجتهد، والشيخ عبد الغني السَّقطي، وغيرهم من العلماء الأعلام، والفُضلاء الكرام، ولا زال يترقى في مدارج العلوم، حتى استوى على عرش المنطوق منها والمفهوم، ويُشار بحل المشكلات إليه، ويعتمد في عويصات المسائل عليه، واعترف له مشايخه بالِإجادة، وألزموه بالتدريس والِإفادة.
1 / 6