إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول
إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول
ویرایشگر
الشيخ أحمد عزو عناية، دمشق - كفر بطنا
ناشر
دار الكتاب العربي
ویراست
الطبعة الأولى ١٤١٩هـ
سال انتشار
١٩٩٩م
فَالْجُمْهُورُ جَعَلُوهَا حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً بِوَضْعِ الشَّارِعِ لَهَا.
وَأَثْبَتَ الْمُعْتَزِلَةُ أَيْضًا مَعَ الشَّرْعِيَّةِ حَقَائِقَ دِينِيَّةً، فَقَالُوا إِنَّ مَا اسْتَعْمَلَهُ الشَّارِعُ فِي مَعَانٍ غَيْرِ لُغَوِيَّةٍ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الْأَسْمَاءُ الَّتِي أُجْرِيَتْ عَلَى الْأَفْعَالِ، وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالزَّكَاةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: الْأَسْمَاءُ الَّتِي أُجْرِيَتْ عَلَى الْفَاعِلِينَ كَالْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَجَعَلُوا الْقِسْمَ الْأَوَّلَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً وَالْقِسْمَ الثَّانِيَ: حَقِيقَةً دِينِيَّةً، وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ عَلَى السَّوَاءِ فِي أَنَّهُ عُرْفٌ شَرْعِيٌّ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَرَجَّحَهُ الرَّازِيُّ إِنَّهَا مَجَازَاتٌ لُغَوِيَّةٌ غَلَبَتْ فِي الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ لِكَثْرَةِ دَوَرَانِهَا عَلَى أَلْسِنَةِ أَهْلِ الشَّرْعِ.
وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ: أَنَّهَا إِذَا وَرَدَتْ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ مُجَرَّدَةً عَنِ الْقَرِينَةِ هَلْ تُحْمَلُ عَلَى الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ أَوْ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ؟
فَالْجُمْهُورُ قَالُوا بِالْأَوَّلِ وَالْبَاقِلَّانِيُّ وَمَنْ مَعَهُ قَالُوا بِالثَّانِي.
قَالُوا أَمَّا فِي كَلَامِ الْمُتَشَرِّعَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى الشَّرْعِيِّ اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ حَقَائِقَ عُرْفِيَّةً بَيْنَهُمْ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي كَوْنِ ذَلِكَ بِوَضْعِ الشَّارِعِ وَتَعْيِينِهِ إِيَّاهَا بِحَيْثُ تَدُلُّ عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي بِلَا قَرِينَةٍ فَتَكُونُ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً أَوْ بِغَلَبَتِهَا فِي لِسَانِ أَهْلِ الشَّرْعِ فَقَطْ وَلَمْ يَضَعْهَا الشَّارِعُ بَلِ اسْتَعْمَلَهَا مَجَازَاتٍ لُغَوِيَّةً لِقَرَائِنَ فَتَكُونُ حَقَائِقَ عُرْفِيَّةً خَاصَّةً لَا شَرْعِيَّةً.
احْتَجَّ الجمهور بما هو معلوم شرعًا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ وَأَهْلِ الشَّرْعِ لِذَاتِ الْأَذْكَارِ وَالْأَرْكَانِ وَالزَّكَاةَ لِأَدَاءِ مَالٍ مَخْصُوصٍ وَالصِّيَامَ لِإِمْسَاكٍ مَخْصُوصٍ وَالْحَجَّ لِقَصْدٍ مَخْصُوصٍ وَأَنَّ هَذِهِ الْمَدْلُولَاتِ هِيَ الْمُتَبَادِرَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ عَلَامَةُ الْحَقِيقَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ لِلدُّعَاءِ وَالزَّكَاةُ لِلْنَمَاءِ وَالصِّيَامُ لِلْإِمْسَاكِ مُطْلَقًا وَالْحَجُّ لِلْقَصْدِ مُطْلَقًا
وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ فِي مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ وَالزِّيَادَاتُ شُرُوطٌ وَالشَّرْطُ خَارِجٌ عَنِ الْمَشْرُوطِ.
وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَكُونَ مُصَلِّيًا مَنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيًا كَالْأَخْرَسِ.
وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ سَبْقِ الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ثُبُوتُ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ لِجَوَازِ صَيْرُورَتِهَا بِالْغَلَبَةِ حَقَائِقَ عُرْفِيَّةً خَاصَّةً لِأَهْلِ الشَّرْعِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً بوضع الشارع
1 / 64