متى ازددت تقصيرا تزدني تفضلا كأني بالتقصير استوجب الفضلا فما مثلك أيها العبد في جريان نعم الله عليك إلا مثل عبد صغير مسكين، رباه ملك البلد أحسن التربية، وغذاه أحسن الغذاء، فلما مضى عليه خمس عشرة سنة في النعم السابغة، والأيادي البالغة ألبسه الملك لباس الملك، وخلع عليه التيجان وانزله في أحسن منزل، وابعده عن القذارات وقال له: كلما رأيتك لابسا لهذه الخلع في المواضع الشريفة السلطانية أعطيتك في كل ساعة تمر عليك وأنت كذلك أضعافها وأضعاف أضعافها، حتى يصل ملكك إلى ما لا غاية له، وإن طرحتها واستعملتها في غير ما ذكرت لك نحو أن تستعملها في القذارات والمزابل فإني لا أعطيك شيئا سوى العطاء الأول، وما يقوم بك وبقوتك ومن تحت يدك إلى وقت وفاتك، فهل ترى هذا الملك عدل في حكمه أم جار، هذا شبه بحالك ولا سواء، فإن الملك هو الله الواحد القهار، وأنت العبد الذليل، الذي خلقك فسواك فعدلك، في أي صورة ما شاء ركبك، واسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنه، ورباك أحسن التربية، وغذاك بأطيب الغذاء، حتى بلغت خمس عشرة سنة أو أقرب، ثم أكمل لك العقل الذي هو تاج الملك ولباسه، وعماده وأساسه، وامرك أن تستعمله في الأمور السلطانية الإلهية، ولا تخرج به إلى القذارات، وهي الأخلاق الذميمة، بل تقف به عند الأخلاق الحميدة الجميلة، وضمن لك على ذلك ملكا عظيما، وأمرا جسيما، لا ينحصر ولا ينحد، ولا يتناهى ولا ينعد، واعلمك أنك إن خالفته فإنه لا يسلب عنك ما قد أعطاك لأجل معصيتك، بل يقيتك أنت ومن تحت يدك، إلى وقت موتك، وبلوغ أجلك، فهل تعلم لربك مثيلا، كلا ما كان ولا يكون أبدا، ومتى تحققت ما ذكرت لك، وتيقنت ما فصلت لك، علمت أن ربك عز وجل لا تزيده طاعة المطيعين، ولا تنفعه ولا تنقصه معصية العاصين ولا تضره، وانما ذلك كله تعود مصلحته إلى العبد الذليل بالتفضل من الملك الجليل فمن هاهنا تعلم أن النجاة بطاعة الله عز وجل، والهلاك بمخالفته.
صفحه ۱۲