واعلم أن الشيطان مجتهد في الوفاء بقسمه في قوله: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين}(1) وفي قوله: {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم}(2) متسرع إلى ذلك مواظب عليه مشغوف به، فإن قدر على أن يوقع ابن آدم في الواضح من الضلال، وإلا اجتهد أن يوقعه في المشتبه بالحلال ؛ ليقضي غرضه، ويبلغ فيه أمنيته. فأحذرك من عدوك فإنه أحب الخلق لهلكتك، وأحرصهم على خدعتك، فخالف الهوى والوسواس، ودع ما لا بأس به حذرا مما به البأس، فبهذا أنذرك أنصح الناصحين لك، وأشفق الخلق بك محمد.
وقال عليه السلام بعد أن خط خطا مستقيما وخطا يمينا وشمالا: (هذا سبيل الله وهذه السبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه) (3) وهو إنما أراد بذلك السبيل طاعة الله عز وجل فمن سلكها فقد سلك في مرضاته، وأراد بتلك السبل المتفرقة معاصي الله عز وجل فمن سلكها فقد سلك إلى معاصيه ؛ فاستحق الوبال، وهذه السبل التي هي المعاصي لا تكون إلا في الأعضاء وأهلها.
فأحذرك أيها الطالب أن تجعل أعضاءك بل نفسك كلها سبلا للشياطين، ومنهجا لدعوة الأباليس، وسأشرح لك ما هي مستعدة له لجريانه فيها وعليها وبها من طريق الشيطان ومناهج الدعاء إلى غضب الرحمن ؛ لئلا تجعل للشيطان عليك سبيلا، ولا تقبل له قيلا إنشاء الله تعالى ، وبه الاستعانة والهداية، وهو حسبي ونعم الوكيل.
صفحه ۳۰