واعلم أيها الطالب هداك الله أن المعاصي كثيرة.
فمنها: ما يظهر ويتركه كثير من الناس إما لعادة جرت له بتركه، أو خوفا من وبال الذم المستحق عليه وسقوط الجاه عند فعله.
ومنها: ما يخفى على الجم الغفير، ويعرفه الخواص وهم العلماء الراسخون في العلم وإن اختلفوا في العمل، فهذا القبيل من المعاصي يهلك فيه من لا يعرفه، وبعض من يعرفه.
وعلى الجملة إن النجاة منه تقل بسبب أن الجاهل يقدم عليه ولا يأتي بغرض الله تعالى فيه وهو البحث عن حاله العلماء العاملين فيهلك ويضل بسبب ذلك، والعارف له ربما أقدم عليه إما لاستصغاره أو لخفائه على الناس ؛ فإن الأكثر يتحاشم الناس ولا يتحاشم ربه، ولا يستحي من خالقه وإن أنكر عليه بعض الصالحين فربما ادعى أنه فعله لأنه لا يعلم قبحه، وربما دعاه ذلك للاحتجاج على تحليله بالشبهة التي يلقيها الشيطان في قلبه، ويؤيده الهوى في تزويقها وتنميقها حتى يصوغها في مصاغ الحجج القاطعة، وربما جعل ذلك مذهبا له وصار سببا لضلالة كثير من الخلق، وربما اعتادت الجماعة القليلة جنسا من المعاصي من غير تناه منهم مع كونه كبيرا عندهم فيسري ذلك في غيرهم حتى انه ربما ظهر ذلك في أهل ذلك المسجد، وربما ظهر في أهل تلك القرية، وربما انطمس استقباحه عندهم لكثرة تخلقهم به.
وهذه العادة لها تأثير في الأفعال وقد رأينا كثيرا في أجناس من المعاصي نحو الغيبة واستماع النميمة وغير ذلك، فإن كثيرا من المتفقهة والمتزهدة لا يكاد ينتهي من ذلك بل يلهج به ولا يستنكره ولا ينهى عنه، ولو رأى رجلا يؤما إليه بالصلاح لابسا للمعصفر وأجناسه لعظم ذلك عنده ونهى عنه، والأول أعظم من هذه، فالله المستعان.
صفحه ۲۷