ولا يجوز أن يتساوى الحق والباطل.
فان قيل: نقلد المحق دون المبطل.
قلنا: العلم بكونه محقا لا يمكن حصوله الا بالنظر، لأنا ان علمناه بتقليد آخر أدى الى التسلسل، وان علمناه بدليل فالدليل الدال على وجوب القبول منه يخرجه من باب التقليد، ولذلك لم يكن أحدنا مقلدا للنبي أو المعصوم فيما نقبله منه، لقيام الدليل على صحة ما يقوله.
وليس يمكن أن يقال: نقلد الأكثر ونرجع إليهم. وذلك لان الأكثر قد يكونون على ضلال، بل ذلك هو المعتاد المعروف. ألا ترى أن الفرق المبطلة بالإضافة إلى الفرق المحقة جزء من كل وقليل من كثير.
ولا يمكن أن يعتبر أيضا بالزهد والورع، لان مثل ذلك يتفق في المبطلين فلذلك ترى رهبان النصارى على غاية العبادة ورفض الدنيا مع أنهم على باطل فعلم بذلك أجمع فساد التقليد.
فان قيل: هذا القول يؤدي الى تضليل أكثر الخلق وتكفيرهم، لأن أكثر من تعنون من العقلاء لا يعرفون ما يقولونه من الفقهاء والأدباء والرؤساء والتجار وجمهور العوام ولا يهتدون الى ما يقولونه، وانما يختص بذلك طائفة يسيرة من المتكلمين، وجميع من خالفهم يبدعهم في ذلك، ويؤدي الى تكفير الصحابة والتابعين [وأهل الأمصار، لأنه معلوم أن أحدا من الصحابة والتابعين] (1) لم يتكلم فيما تكلم فيه المتكلمون ولا سمع منه حرف واحد ولا نقل عنهم شيء منه، فكيف يقال بمذهب يؤدي الى تكفير أكثر الأمة وتضليلها، وهذا باب ينبغي أن يزهد فيه ويرغب عنه.
قيل: هذا غلط فاحش وظن بعيد، وسوء ظن بمن أوجب النظر المؤدي
صفحه ۱۱