فان قيل: ما أنكرتم أن يكون ذلك [بالعادة دون أن يكون] (1) واجبا.
قلنا: ذلك فاسد من وجهين:
أحدهما: ان ذلك يبطل الفرق بين الواجب والمعتادة، فيؤدي إلى أنه لا فرق بينهما، وان يقول قائل انتفاء السواد بالبياض بالعادة وحاجة العلم إلى الحياة بالعادة وغير ذلك من الواجبات، فبأي شيء فرقوا بينهما فهو فرقنا بين أن يكون ذلك واجبا أو معتادا.
الثاني: أنه لو كان ذلك بالعادة لوجب أن يكون من لا يعرف العادات ولا نشأ بين أهلها أن يجوز أن تبنى دار من قبل نفسها أو تنكتب كتابة طويلة بلا كاتب أو أن تنسج نساجة عجيبة من غير ناسج وغير ذلك. والمعلوم خلاف ذلك، لأنه لا يجوز مثل ذلك الا مؤف العقل فاسد التصور.
فان قيل: لو خلق الله تعالى عاقلا ابتداء، فشاهد قصرا مبنيا وكتابة هل كان يعلم أن لها بانيا وكاتبا أم لا، فان قلتم يعلم قلنا وأي طريق له الى ذلك، وان قلتم لا يعلم بذلك فقد بطل ادعاؤكم العلم.
قلنا: من خلقه الله وحده ابتداء وشاهد الكتابة أو القصر فهو لا يعلمهما محدثين متجددين [فلذلك لا يعلم لهما بانيا وكاتبا، فيحتاج أن يتأمل حالهما حتى يعلمهما محدثين متجددين] (2)، فاذا علمهما متجددة الوجود علم تعلقهما بفاعل.
ونظير ذلك أن من شاهد الأجسام قبل النظر في حدوثها، فإنه لا يعلم أن لها محدثا، فاذا تأمل وعلم حدوثها علم عند ذلك ان لها محدثا.
وانما قلنا ان علة حاجة هذه الحوادث إلينا حدوثها لا غير لأمرين:
أحدهما: أن الذي يتجدد عند دواعينا حدوث هذه الصنائع وينتفي عند
صفحه ۲۶