لم يسبق المحدث ولم يخل منه علمنا أن حكمه حكمه في الحدوث.
وقول من قال: ان فيها معان لا نهاية له (1) شيئا قبل شيء لا إلى أول. باطل لان وجود ما لا نهاية له محال، لأنه كان يصير من شروط وجود كل واحد منها أن يتقدم قبله ما لا نهاية له، فلا يصح وجود شيء منها البتة، والمعلوم خلافه.
على أن القائل بذلك قد ناقض، لأنه إذا قال انها محدثة اقتضى أن لها أولا، فإذا قال بعد ذلك لا أول لها اقتضى ذلك قدمها، وذلك متناقض. وأيضا فإذا قال الجسم قديم أفاد ذلك وجوده في الأزل، [فإذا سلم أنه لا يخلو من معنى فقد أثبت فيه معنى في الأزل] (2)، والمعنى الموجود في الأزل يكون قديما، فيكون في ذلك رجوع عن كونها محدثة. أو يقول فيما لم يزل لم يكن فيها معنى، فيكون فيها رجوع في أن الجسم لم يخل من معنى، وذلك فاسد. فقد بان بهذه الجملة حدوث الأجسام، ثم تدل فيما بعد على أن لها صانعا يخالفها.
وأما الطريقة الثانية فهو أن نبين أن ههنا معان كالألوان والطعوم والقدرة والحياة والشهوة والنفار وكمال العقل، ونبين أن أحدا من المخلوقين لا يقدر على شيء منها، فيعلم عند ذلك أن صانعها مخالف لها.
وبيان ذلك: أن الواحد منا قد يدعوه الداعي إلى تبيض الأسود أو تسود الأبيض أو يحيى ميتا أو يقدر عاجزا أو يكمل عقل من لا عقل له، وهو قادر متصرف غير ممنوع والدواعي متوفرة، ويبالغ في ذلك ويجتهد في تحصيله مع احتمال المحل لذلك فيتعذر ولا يتحصل لا لوجه معقول الا أنه ليس بمقدور له، فيعلم عند ذلك أن صانعها مخالف لها ومباين لنا، فيكون ذلك علما بالله
صفحه ۲۴