بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم خطْبَة الْكتاب
رب يسر وأعن يَا كريم.
الْحَمد لله رب الْعَالمين، وبحوله نستعين، وبهدايته نَعْرِف الْحق ونستبين، وإياه نسْأَل أَن يُصَلِّي على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين، وعَلى آله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ.
هَذِه نبذ من فنون مهمة فِي عُلُوم الحَدِيث، يستعان بهَا على فهم مصطلحات أَهله ومقاصدهم ومراتبهم على سَبِيل الِاخْتِصَار والإيجاز، لتَكون كالمدخل إِلَى التَّوَسُّع فِي هَذَا الْفَنّ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهُوَ مُرَتّب أَبْوَاب:
الاقتراح فِي بَيَان الِاصْطِلَاح وَمَا أضيف إِلَى ذَلِك من الْأَحَادِيث المعدودة من الصِّحَاح تأليف تَقِيّ الدّين بن دَقِيق العَبْد
الاقتراح فِي بَيَان الِاصْطِلَاح وَمَا أضيف إِلَى ذَلِك من الْأَحَادِيث المعدودة من الصِّحَاح تأليف تَقِيّ الدّين بن دَقِيق العَبْد
1 / 1
الْبَاب الأول فِي أَلْفَاظ متداولة تتَعَلَّق بِهَذِهِ الصِّنَاعَة ﷺ َ - اللَّفْظ الأول الصَّحِيح
ومداره بِمُقْتَضى أصُول الْفُقَهَاء والأصوليين على صفة عَدَالَة الرَّاوِي الْعَدَالَة المشترطة فِي قبُول الشَّهَادَة على مَا قرر من الْفِقْه
فَمن لم يقبل الْمُرْسل مِنْهُم زَاد فِي ذَلِك أَن يكون مُسْندًا
وَزَاد أَصْحَاب الحَدِيث أَن لَا يكون شاذا وَلَا مُعَللا وَفِي هذَيْن الشَّرْطَيْنِ نظر على مُقْتَضى مَذْهَب الْفُقَهَاء فَإِن كثيرا من الْعِلَل الَّتِي يُعلل بهَا المحدثون الحَدِيث لَا تجْرِي على أصُول الْفُقَهَاء
وبمقتضى ذَلِك حد الحَدِيث الصَّحِيح بِأَنَّهُ
الحَدِيث الْمسند الَّذِي يتَّصل إِسْنَاده بِنَقْل الْعدْل الضَّابِط عَن الْعدْل الضَّابِط إِلَى منتهاه وَلَا يكون شاذا وَلَا مُعَللا
وَلَو قيل فِي هَذَا الحَدِيث الصَّحِيح الْمجمع على صِحَّته هُوَ كَذَا وَكَذَا إِلَى آخِره لَكَانَ حسنا
لِأَن من لَا يشْتَرط مثل هَذِه الشُّرُوط لَا يحصر الصَّحِيح فِي هَذِه الْأَوْصَاف وَمن شَرط الْحَد أَن يكون جَامعا مَانِعا
وَقد اخْتلف أَرْبَاب الحَدِيث فِي أصح الْأَسَانِيد
1 / 5
فمذهب البُخَارِيّ أَن أصح الْأَسَانِيد مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر
وَعَن يحيى بن معِين أَجودهَا الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله
وَعَن عَمْرو بن عَليّ أصح الْأَسَانِيد مُحَمَّد بن سِيرِين عَن عُبَيْدَة عَن عَليّ
ثمَّ قيل أَيُّوب عَن مُحَمَّد
1 / 6
وَقيل ابْن عون عَن مُحَمَّد ﷺ َ - اللَّفْظ الثَّانِي الْحسن
وَفِي تَحْقِيق مَعْنَاهُ الِاضْطِرَاب
فَقَالَ الْخطابِيّ الْحسن مَا عرف مخرجه واشتهر رِجَاله وَعَلِيهِ مدَار أَكثر الحَدِيث وَهُوَ الَّذِي يقبله أَكثر الْعلمَاء ويستعمله عَامَّة الْفُقَهَاء
وَهَذِه عبارَة لَيْسَ فِيهَا كَبِير تَلْخِيص وَلَا هِيَ أَيْضا على صناعَة الْحُدُود والتعريفات فَإِن الصَّحِيح أَيْضا قد عرف مخرجه واشتهر رِجَاله فَيدْخل الصَّحِيح فِي حد الْحسن
وَكَأَنَّهُ يُرِيد بِهَذَا الْكَلَام مَا عرف مخرجه واشتهر رِجَاله مِمَّا لم يبلغ دَرَجَة الصَّحِيح
وَأما مَا قيل من أَن الْحسن يحْتَج بِهِ فَفِيهِ إِشْكَال وَذَلِكَ أَن هَهُنَا أوصافا يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة إِذا وجدت فِي الرَّاوِي
فَأَما أَن يكون هَذَا الحَدِيث الْمُسَمّى بالْحسنِ مِمَّا قد وجدت فِيهِ هَذِه الصِّفَات على أقل الدَّرَجَات الَّتِي يجب مَعهَا الْقبُول أَو لَا
فَإِن وجدت فَذَلِك حَدِيث صَحِيح وَإِن لم تُوجد فَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ وَأَن سمي حسنا
اللَّهُمَّ أَلا أَن يرد هَذَا إِلَى أَمر اصطلاحي وَهُوَ أَن يُقَال أَن الصِّفَات الَّتِي يجب قبُول الرِّوَايَة مَعهَا لَهَا مَرَاتِب ودرجات
فاعلاها هِيَ الَّتِي يُسمى الحَدِيث الَّذِي اشْتَمَل رُوَاته عَلَيْهَا صَحِيحا وَكَذَلِكَ
1 / 7
أوساطها مثلا
وَأَدْنَاهَا هُوَ الَّذِي نُسَمِّيه حسنا
وَحِينَئِذٍ يرجع الْأَمر فِي ذَلِك إِلَى الِاصْطِلَاح وَيكون الْكل صَحِيحا فِي الْحَقِيقَة وَالْأَمر فِي الِاصْطِلَاح قريب لَكِن من أَرَادَ هَذِه الطَّرِيقَة فَعَلَيهِ أَن يعْتَبر مَا سَمَّاهُ أهل الحَدِيث حسنا ويحقق وجود الصِّفَات الَّتِي يجب مَعهَا قَول الرِّوَايَة فِي تِلْكَ الْأَحَادِيث
فَهَذَا مَا يتَعَلَّق من الْبَحْث على كَلَام الْخطابِيّ
وَقَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ أَنه يُرِيد بالْحسنِ
أَن لَا يكون فِي إِسْنَاده من يتهم بِالْكَذِبِ وَلَا يكون حَدِيثا شاذا ويروى من غير وَجه نَحْو ذَلِك
وَهَذَا يشكل عَلَيْهِ مَا يُقَال فِيهِ
أَنه حسن مَعَ أَنه لَيْسَ لَهُ مخرج إِلَّا من وَجه وَاحِد
وَقَالَ بَعضهم
الحَدِيث الَّذِي فِيهِ ضعف قريب مُحْتَمل هُوَ الْحسن وَيصْلح للْعَمَل بِهِ
وَهَذَا فِيهِ من الْبَحْث مَا قدمْنَاهُ من الْكَلَام على قبُول الْحسن
مَعَ أَن قَوْله فِيهِ ضعف قريب مُحْتَمل لَيْسَ مضبوطا بضابط يتَمَيَّز بِهِ الْقدر الْمُحْتَمل من غَيره
وَإِذا اضْطربَ هَذَا الْوَصْف لم يحصل التَّعْرِيف الْمُمَيز للْحَقِيقَة
1 / 8
وَذكر الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح ﵀
أَنه تنقح لَهُ واتضح أَن الحَدِيث الْحسن قِسْمَانِ
أَحدهمَا الحَدِيث الَّذِي لَا يَخْلُو رجال إِسْنَاده من مَسْتُور لم تتَحَقَّق أَهْلِيَّته غير أَنه لَيْسَ مغفلا كثير الْخَطَأ فِيمَا يرويهِ وَلَا هُوَ مُتَّهم بِالْكَذِبِ فِي الحَدِيث أَي لم يظْهر مِنْهُ تعمد الْكَذِب فِي الحَدِيث وَلَا سَبَب آخر مفسق وَيكون متن الحَدِيث مَعَ ذَلِك قد عرف بِأَن رُوِيَ مثله أَو نَحوه من وَجه آخر أَو أَكثر حَتَّى اعتضد بمتابعة من تَابع رَاوِيه على مثله أَو بِمَا لَهُ من شَاهد وَهُوَ وُرُود حَدِيث آخر بِنَحْوِهِ فَيخرج بذلك عَن أَن يكون شاذا ومنكرا
الْقسم الثَّانِي أَن يكون رَاوِيه من الْمَشْهُورين بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة غير أَنه لم يبلغ دَرَجَة رجال الصَّحِيح لكَونه يقصر عَنْهُم فِي الْحِفْظ والإتقان وَهُوَ مَعَ ذَلِك يرْتَفع عَن حَال من يعد مَا ينْفَرد بِهِ من حَدِيثه مُنْكرا
وَيعْتَبر فِي كل هَذَا مَعَ سَلامَة الحَدِيث من أَن يكون شاذا ومنكرا سَلَامَته من أَن يكون مُعَللا
وَهَذَا كَلَام فِيهِ مباحثات ومناقشات على بعض الْأَلْفَاظ
وَذكر هَذَا الْحَافِظ أشكالا على قَوْلهم هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح لِأَن الْحسن قَاصِر عَن الصَّحِيح فَفِي الْجمع بَينهمَا فِي حَدِيث وَاحِد جمع بَين نفي ذَلِك الْقُصُور وإثباته
وَأجَاب
بِأَن ذَلِك رَاجع إِلَى الْإِسْنَاد فَإِذا رُوِيَ الحَدِيث الْوَاحِد بِإِسْنَادَيْنِ أَحدهمَا إِسْنَاد حسن وَالْآخر إِسْنَاد صَحِيح استقام أَن يُقَال فِيهِ أَنه حَدِيث صَحِيح حسن صَحِيح أَي أَنه حسن بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِسْنَاد صَحِيح بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِسْنَاد
1 / 9
قَالَ على أَنه غير مستنكر أَن يكون بعض من قَالَ ذَلِك أَرَادَ بالْحسنِ مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ وَهُوَ مَا تميل إِلَيْهِ النَّفس وَلَا يأباه الْقلب دون الْمَعْنى الاصطلاحي الَّذِي نَحن بصدده
وَأَقُول
أما الأول فَيرد عَلَيْهِ الْأَحَادِيث الَّتِي قيل فِيهَا حسن صَحِيح مَعَ أَنه لَيْسَ لَهَا إِلَّا مخرج وَاحِد ووجهة وَاحِدَة وَإِنَّمَا يعْتَبر اخْتِلَاف الْأَسَانِيد بِالنِّسْبَةِ إِلَى المخارج
وَهَذَا مَوْجُود فِي كَلَام أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي مَوَاضِع يَقُول هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه أَو لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث فلَان وَقد ذكرت مَوَاضِع من ذَلِك فِيمَا أمليته على مُقَدّمَة شرح الْأَحْكَام الصُّغْرَى لأبي مُحَمَّد عبد الْحق رَحمَه الله تَعَالَى
وَأما إِطْلَاق الْحسن بِاعْتِبَار الْمَعْنى اللّغَوِيّ فَيلْزم عَلَيْهِ أَن يُطلق على الحَدِيث الْمَوْضُوع إِذا كَانَ حسن اللَّفْظ أَنه حسن وَذَلِكَ لَا يَقُوله أحد من أهل الحَدِيث إِذا جروا على اصطلاحهم
وَالَّذِي أَقُول فِي جَوَاب هَذَا السُّؤَال
أَنه لَا يشْتَرط فِي الْحسن قيد الْقُصُور عَن الصَّحِيح وَإِنَّمَا يَجِيئهُ الْقُصُور وَيفهم ذَلِك فِيهِ إِذا اقْتصر على قَوْله حسن
فالقصور يَأْتِيهِ من قيد الِاقْتِصَار لَا من حَيْثُ حَقِيقَته وذاته
وَشرح هَذَا وَبَيَانه
إِن هَهُنَا صِفَات للرواة تَقْتَضِي قبُول الرِّوَايَة
1 / 10
ولتلك الصِّفَات دَرَجَات بَعْضهَا فَوق بعض كالتيقظ وَالْحِفْظ والإتقان مثلا فوجود الدرجَة الدُّنْيَا كالصدق مثلا وَعدم التُّهْمَة بِالْكَذِبِ لَا يُنَافِيهِ وجود مَا هُوَ أَعلَى مِنْهُ كالحفظ والإتقان
فَإِذا وجدت الدرجَة الْعليا لم يناف ذَلِك وجود الدُّنْيَا كالحفظ مَعَ الصدْق فَيصح أَن يُقَال فِي هَذَا أَنه حسن بِاعْتِبَار وجود الصّفة الدُّنْيَا وَهِي الصدْق مثلا صَحِيح بِاعْتِبَار الصّفة الْعليا وَهِي الْحِفْظ والإتقان
وَيلْزم على هَذَا أَن يكون كل صَحِيح حسنا
يلْتَزم ذَلِك وَيُؤَيِّدهُ وُرُود قَوْلهم هَذَا حَدِيث حسن فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَهَذَا مَوْجُود فِي كَلَام الْمُتَقَدِّمين
الثَّالِث الضَّعِيف
وَهُوَ مَا نقص على دَرَجَة الْحسن
وَقد قدمنَا فِي قسم الصَّحِيح الْكَلَام على أصح الْأَسَانِيد
وَقد ذكرنَا ابْن نعيم الْكَلَام على أَوْهَى الْأَسَانِيد فَقَالَ فِي معرفَة عُلُوم الحَدِيث
القَوْل فِي الْأَسَانِيد الْوَاهِيَة
فأوهى أَسَانِيد أهل الْبَيْت عَمْرو بن شمر عَن جَابر الْجعْفِيّ عَن
1 / 11
الْحَارِث الْأَعْوَر عَن عَليّ
وأوهى أَسَانِيد الصّديق صَدَقَة الدقيقي عَن فرقد السبخي عَن مرّة الطّيب عَن أبي بكر
وأوهى أَسَانِيد العمريين مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن عبد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم عَن أَبِيه عَن جده
1 / 12
فَإِن مُحَمَّدًا وَالقَاسِم وَعبد الله لَا يحْتَج بهم
وأوهى أَسَانِيد أبي هُرَيْرَة السّري بن إِسْمَاعِيل عَن دَاوُد بن يزِيد الأودي عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة
وأوهى أَسَانِيد عَائِشَة نُسْخَة عِنْد الْبَصرِيين عَن الْحَارِث بن شبْل عَن أم النُّعْمَان عَن عَائِشَة
وأوهى أَسَانِيد عبد الله بن مَسْعُود شريك عَن أبي فَزَارَة عَن أبي
1 / 13
زيد عَن عبد الله
وأوهى أَسَانِيد أنس بن مَالك دَاوُد بن المحبر بن قحذم عَن أَبِيه عَن أبان بن أبي عَيَّاش عَن أنس
وأوهى أَسَانِيد المكيين عبد الله بن مَيْمُون القداح عَن شهَاب بن خرَاش عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد الخوزي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
وأوهى أَسَانِيد اليمانيين حَفْص بن عمر الْعَدنِي عَن الحكم بن أبان
1 / 14
عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
وأوهى أَسَانِيد المصريين أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحجَّاج بن رشدين عَن أَبِيه عَن جده عَن قُرَّة بن عبد الرَّحْمَن بن حَيْوِيل عَن كل من روى عَنهُ فَإِنَّهَا نُسْخَة كَبِيرَة
وأوهى أَسَانِيد الشاميين مُحَمَّد بن قيس المصلوب عَن عبيد الله بن زحر بن عَليّ بن يزِيد عَن الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة
وأوهى أَسَانِيد الخراسانيين عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن مليحة عَن
1 / 15
نهشل بن سعيد عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس
وَابْن مليحة ونهشل نيسابوريان ﷺ َ - اللَّفْظ الرَّابِع الْمُرْسل
وَالْمَشْهُور فِيهِ أَنه مَا سقط من منتهاه ذكر الصَّحَابِيّ
بِأَن يَقُول التَّابِعِيّ قَالَ رَسُول الله ﷺ ﷺ َ - اللَّفْظ الْخَامِس المعضل
فَإِن سقط اثْنَان فَهُوَ المعضل
وَقد يكون فِيمَا سقط مِنْهُ اثْنَان دون الصَّحَابِيّ أَيْضا وَهَذَا هُوَ اللَّفْظ الْخَامِس ﷺ َ - اللَّفْظ السَّادِس الْمُنْقَطع
وَقد يُطلق بعض القدماء الْمُرْسل على مَا سقط مِنْهُ رجل مُطلقًا وَإِن كَانَ فِي أَثْنَائِهِ
وَمَا سقط مِنْهُ رجل فِي أَثْنَائِهِ يُسَمِّي بالمنقطع وَهُوَ السَّادِس عِنْد الْجُمْهُور ﷺ َ - اللَّفْظ السَّابِع الْمَقْطُوع
وَهُوَ غير الْمَقْطُوع وَهُوَ مَا رُوِيَ عَن من دون الصَّحَابِيّ وَقطع عَلَيْهِ
وَهَذَا هُوَ اللَّفْظ السَّابِع
1 / 16
ﷺ َ - الثَّامِن الْمَوْقُوف
وَهُوَ مَا أسْند إِلَى الصَّحَابِيّ من قَوْله أَو فعله
ويقابله ﷺ َ - التَّاسِع الْمَرْفُوع
الْمَرْفُوع وَهُوَ التَّاسِع هُوَ مَا ذكر فِيهِ النَّبِي ﷺ فنسب إِلَيْهِ قَول أَو فعل أَو تَقْرِير
وَمن هَذَا يُقَال رَوَاهُ فلَان مَوْقُوفا وَرَوَاهُ فلَان مَرْفُوعا ﷺ َ - الْعَاشِر الْموصل
وَهُوَ مَا سلم من الِانْقِطَاع ﷺ َ - الْحَادِي عشر الْمسند
وَهُوَ مَا اتَّصل سَنَده إِلَى ذكر النَّبِي ﷺ
وَقيل هُوَ مَا ذكر فِيهِ النَّبِي ﷺ وَإِن كَانَ مُنْقَطِعًا فِي أَثْنَائِهِ ﷺ َ - الثَّانِي عشر الشاذ
وَهُوَ مَا خَالف رِوَايَة الثِّقَات أَو مَا انْفَرد بِهِ من لَا يحْتَمل حَاله أَن يقبل مَا تفرد بِهِ ﷺ َ - الثَّالِث عشر الْمُنكر
وَهُوَ كالشاذ
وَقيل هُوَ مَا انْفَرد بِهِ الرَّاوِي وَهُوَ منقوض بالأفراد الصَّحِيحَة ﷺ َ - الرَّابِع عشر الْغَرِيب
وَهُوَ تَارَة ترجع غرابته إِلَى اللَّفْظ
وَتارَة ترجع إِلَى الْإِسْنَاد
1 / 17
ثمَّ تَارَة يكون غَرِيبا مُطلقًا بِأَن ينْفَرد راو بِإِسْنَادِهِ كُله وَتارَة يكون غَرِيبا عَن شخص معِين وَيكون مَعْرُوفا عَن غَيره
فَإِذا قيل
هَذَا غَرِيب من حَدِيث فلَان عَن فلَان احْتمل الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَكَذَلِكَ إِذا قُلْنَا
تفرد بِهِ فلَان عَن فلَان احْتمل أَن يكون تفردا مُطلقًا وَاحْتمل أَن يكون تفرد بِهِ عَن هَذَا الْمعِين وَيكون مرويا من غير جِهَة ذَلِك الْمعِين فَتنبه لذَلِك فَإِنَّهُ قد يَقع فِيهِ الْمُؤَاخَذَة على قوم من الْمُتَكَلِّمين على الْأَحَادِيث وَيكون لَهُ وَجه كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن ﷺ َ - الْخَامِس عشر المتسلسل
وَهُوَ مَا كَانَ إِسْنَاده على صفة وَاحِدَة فِي طبقاته
فَتَارَة يكون فِي جَمِيعهَا كَمَا إِذا كَانَ كُله بِصِيغَة سَمِعت فلَانا يَقُول إِلَى آخِره
وَتارَة يكون فِي أَكْثَره مثل الحَدِيث المسلسل بقَوْلهمْ أول حَدِيث سمعته مِنْهُ فَإِن سلسلته تقف على الرَّاوِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن بشر على الصَّحِيح ورفعها أَبُو نصر الوزيري إِلَى منتهاه
وَقد يسلسلون باطعمني وسقاني ويحدثني وَيَده عَليّ كَتِفي
1 / 18
وَفَائِدَة المسلسل أَمْرَانِ
أَحدهمَا أَنه قد يكوه فِيهِ اقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ ﷺ فِيمَا فعله
وَالثَّانِي أَن يكون مُفِيدا لإيصال الرِّوَايَة وَعدم إنقطاعها إِذا كَانَت السلسلة تَقْتَضِي ذَلِك كَقَوْلِه سَمِعت فلَانا وكأطعمني وسقاني وكأول حَدِيث سمعته مِنْهُ وَغير ذَلِك ﷺ َ - السَّادِس عشر المعنعن
من الحَدِيث وَهُوَ مَا كَانَ صِيغَة رِوَايَته فلَان عَن فلَان
فَمن النَّاس من قَالَ لَا يقبل حَتَّى يثبت لِقَاء الرَّاوِي لشيخه وَلَو مرّة
وَمِنْهُم من اكْتفى بِمُجَرَّد إِمْكَان اللِّقَاء فِي الزَّمن وَهَذَا مَذْهَب مُسلم وَقد أطنب فِي الرَّد على الأولى فِي مُقَدّمَة كِتَابه
ثمَّ الرَّاوِي بالعنعنة عَن شَيْخه إِذا لقِيه أَو اكتفينا بِمُجَرَّد إِمْكَان لِقَائِه على اخْتِلَاف المذهبين إِمَّا أَن يكون مدلسا أَو لَا
فَإِن لم يكن حملنَا الرِّوَايَة على الِاتِّصَال وَالسَّمَاع
وَإِن كَانَ مدلسا فَالْمَشْهُور أَنه لَا يحمل على السماع حَتَّى يبين الرَّاوِي ذَلِك وَمَا لم يبين فَهُوَ كالمنقطع فَلَا يقبل
وَهَذَا جَار على الْقيَاس
إِلَّا أَن الجري عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفَات الْمُحدثين وتخريجاتهم صَعب عسير يُوجب اطراح كثير من الْأَحَادِيث الَّتِي صححوها إِذْ يتَعَذَّر علينا إِثْبَات سَماع المدلس فِيهَا من شَيْخه
1 / 19
اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَدعِي مُدع أَن الْأَوَّلين اطلعوا على ذَلِك وَلم نطلع نَحن عَلَيْهِ وَفِي ذَلِك نظر ﷺ َ - السَّابِع عشر التَّدْلِيس
وَهُوَ أَن يروي الرَّاوِي حَدِيثا عَن من لم يسمعهُ مِنْهُ
فَإِن كَانَت صِيغَة رِوَايَته تَقْتَضِي سَمَاعه مِنْهُ نصا فَهَذَا كذب لَا يُسمى بالتدليس وَإِن لم يقتض ذَلِك نصا كَمَا كَانَ المتقدمون يَقُولُونَ فلَان عَن فلَان وَلَا يَقُولُونَ أخبرنَا وَلَا حَدثنَا
وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ قَالَ فلَان أَو روى فلَان أَو غَيرهمَا من الْأَلْفَاظ الَّتِي لَا تصرح باللقاء فَهَذَا هُوَ التَّدْلِيس
وَلَهُم فِي ذَلِك أغراض
بعضهما مَذْمُوم قَادِح فِيمَن فعله لذَلِك الْغَرَض عَالما بِهِ وَهُوَ أَن يتْرك ذكر الرَّاوِي لِأَنَّهُ لَو صرح بِهِ لعرف ضعفه وَلم يقبل حَدِيثه
وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنه قَادِح لما فِيهِ من عدم النصح وترويج الْبَاطِل
وَأكْثر مَقْصُود الْمُتَأَخِّرين فِي التَّدْلِيس طلب الْعُلُوّ أَو إِيهَام الْمَشَايِخ كَمَا إِذا رُوِيَ عَن شيخ باسمه الْمَشْهُور ثمَّ نسبه مرّة أُخْرَى إِلَى جد لَهُ أَعلَى ثمَّ ذكره مرّة أُخْرَى بكنيته ثمَّ نسبه مرّة أُخْرَى إِلَى مَوضِع لَا تشتهر نسبته إِلَيْهِ أَو ذكر لفظا مشتركان ينْطَلق فِي الْمَشْهُور على غير الْموضع الَّذِي أَرَادَهُ كَمَا إِذا قَالَ حَدثنِي فلَان بالعراق وَيُرِيد موضعا باخميم أَو حَدثنِي بزبيد وَيُرِيد موضعا بقوص أَو بحلب وَيُرِيد موضعا مُتَّصِلا بِالْقَاهِرَةِ أوبما وَرَاء النَّهر وَيُرِيد أَنه انْتقل من أحد جَانِبي بَغْدَاد إِلَى الآخر وَالنّهر دجلة
فَهَذَا كُله إِذا كَانَ صَحِيحا فِي نفس الْأَمر فَلَيْسَ بكذب إِنَّمَا الْمَقْصُود مِنْهُ الإغراب
وَقد يكون التَّدْلِيس خفِيا جدا وَلذَلِك مثالان
1 / 20
أَحدهمَا أَنهم اخْتلفُوا فِي سَماع الْحسن من أبي هُرَيْرَة
فورد فِي بعض الرِّوَايَات عَن الْحسن حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة فَقيل أَنه أَرَادَ حدث أهل بلدنا
وَهَذَا إِن لم يقم دَلِيل قَاطع على أَن الْحسن لم يسمع من أبي هُرَيْرَة لن يجز أَن يُصَار إِلَيْهِ
الثَّانِي قَول أبي إِسْحَاق لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَة ذكره وَلَكِن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود عَن الْأسود عَن أَبِيه فَظَاهره أَن المُرَاد سَمَاعه من عبد الرَّحْمَن بن الْأسود عَن أَبِيه لعدوله عَن أبي عُبَيْدَة فَقيل أَنه تَدْلِيس كَمَا لَو قَالَ ابْتِدَاء عبد الرَّحْمَن بن الْأسود عَن أَبِيه وَلم يقل قبله لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَة ذكره
وللتدليس مفْسدَة وَفِيه مصلحَة
أما مفسدته فَإِنَّهُ قد يخفى وَيصير الرَّاوِي مَجْهُولا فَيسْقط الْعَمَل بِالْحَدِيثِ لكَون الرَّاوِي مَجْهُولا عِنْد السَّامع مَعَ كَونه عدلا مَعْرُوفا فِي نفس الْأَمر وَهَذِه جِنَايَة عظمى ومفسدة كبرى
وَأما مصْلحَته فامتحان الأذهان فِي اسْتِخْرَاج التدليسات وإلقاء ذَلِك إِلَى من يُرَاد اختبار حفظه ومعرفته بِالرِّجَالِ
ووراء ذَلِك مفْسدَة أُخْرَى يراعيها بَاب أَرْبَاب الصّلاح والقلوب وَهُوَ مَا فِي
1 / 21
التَّدْلِيس من التزين وَقد تنبه لذَلِك ياقوتة الْعلمَاء الْمعَافى بن عمرَان الْموصِلِي وَكَانَ من أكَابِر الْعلمَاء وَالصَّحَابَة ﷺ َ - الثَّامِن عشر المضطرب
وَهُوَ مَا رُوِيَ من وُجُوه مُخْتَلفَة
وَهُوَ أحد أَسبَاب التَّعْلِيل عِنْدهم وموجبات الضعْف للْحَدِيث
وَالْأَمر فِيهِ منقسم
فَإِذا كَانَ أحد الْوُجُوه مرميا من وَجه ضَعِيف وَالْآخر من وَجه قوي فَلَا تَعْلِيل وَالْعَمَل بِالْقَوِيّ مُتَعَيّن
وَإِن لم يكن كَذَلِك فَإِن أمكن الْجمع بَين تِلْكَ الْوُجُوه بِحَيْثُ يُمكن أَن يكون الْمُتَكَلّم معبرا باللفظين الواردين عَن معنى وَاحِد فَلَا إِشْكَال أَيْضا مثل
أَن يكون فِي أحد الْوَجْهَيْنِ قد قَالَ الرَّاوِي عَن رجل وَفِي الْوَجْه الآخر سمى رجلا فَهَذَا يُمكن أَن يكون ذَلِك الْمُسَمّى هُوَ ذَلِك الْمُبْهم فَلَا تعَارض
وَإِن لم يكن كَذَلِك بِأَن يُسَمِّي مثلا الرَّاوِي باسم معِين فِي رِوَايَة ويسمي آخر باسم آخر فِي رِوَايَة أُخْرَى فَهَذَا مَحل نظر إِذْ يتعارض فِيهِ آمران
أَحدهمَا أَنه يجوز أَن يكون الحَدِيث عَن الرجلَيْن مَعًا
وَالثَّانِي أَن يغلب على الظَّن أَن الرَّاوِي وَاحِد اخْتلف فِيهِ فههنا لَا يَخْلُو أَن يكون الرّجلَانِ مَعًا ثقتين أَو لَا
فَإِن كَانَ ثقتين فههنا مُقْتَضى مَذَاهِب الْفُقَهَاء والأصوليين أَن لَا يضر هَذَا الِاخْتِلَاف لِأَنَّهُ إِن كَانَ الحَدِيث عَن هَذَا الْمعِين فَهُوَ عدل وَإِن كَانَ عَن الآخر فَهُوَ عدل فكيفما انقلبنا انقلبنا إِلَى عدل فَلَا يضر هَذَا الِاخْتِلَاف
1 / 22
وَغَيرهم قد يَقُول أَن الِاضْطِرَاب فِي الحَدِيث دَلِيل على عدم انضباطه
وَهَذَا إِنَّمَا يتَوَجَّه إِذا كَانَ لَا دَلِيل لنا على أَن الحَدِيث عَنْهُمَا جَمِيعًا أما أَن دلّ دَلِيل على ذَلِك فَلَا اخْتِلَاف مثل أَن يروي إِنْسَان حَدِيثا عَن رجل تَارَة ويروي ذَلِك الحَدِيث عَن آخر تَارَة أُخْرَى ثمَّ يرويهِ عَنْهُمَا مَعًا فِي مرّة ثَالِثَة
وَأما أَن كَانَ أحد الراويين ضَعِيفا فقد تردد الْحَال بَين أَن يكون عَن الْقوي أَو عَن الضَّعِيف أَو عَنْهُمَا
وَهُوَ على أحد هَذِه التقديرات غير حجَّة وَهُوَ مَا إِذا كَانَ عَن الضَّعِيف وَهَذَا بِشَرْط أَن لَا يكون الطريقان مُخْتَلفين بل يكونَانِ عَن رجل وَاحِد وَمَعَ ذَلِك فجوز أَن يكون قد رَوَاهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا
فَمن يعْتَمد مُجَرّد الْجَوَاز لَا يلْتَفت إِلَى هَذَا التَّعْلِيل وَلَا يغفلن فِي جَمِيع هَذَا عَن طلب التَّرْجِيح عِنْد الِاخْتِلَاف فَإِن النّظر إِنَّمَا هُوَ عِنْد التَّسَاوِي أَو التَّفَاوُت ﷺ َ - التَّاسِع عشر المدرج
وَهِي أَلْفَاظ تقع مَعَ بعض الروَاة مُتَّصِلَة بِلَفْظ الرَّسُول ﷺ وَيكون ظَاهرهَا أَنَّهَا من لَفظه فَيدل دَلِيل على أَنه من لفظ الرَّاوِي
وَكَثِيرًا مَا يستدلون على ذَلِك بِأَن يرد الْفَصْل بَين كَلَام الرَّسُول ﷺ وَكَلَام الرَّاوِي مُبينًا فِي بعض الرِّوَايَات
وَهَذَا طَرِيق ظَنِّي قد يقوى قُوَّة صَالِحَة فِي بعض الْمَوَاضِع وَقد يضعف
فمما يقوى فِيهِ أَن يكون كَلَام الرَّاوِي أَتَى بعد انْقِضَاء كَلَام النَّبِي ﷺ مُتَّصِلا بِآخِرهِ
وَمِمَّا قد يضعف فِيهِ أَن يكون مدرجا فِي أثْنَاء لفظ الرَّسُول ﷺ لَا سِيمَا أَن كَانَ مقدما على اللَّفْظ الْمَرْوِيّ أَو مَعْطُوفًا عَلَيْهِ بواو الْعَطف كَمَا لَو قَالَ من مس أنثييه وَذكره فَليَتَوَضَّأ بِتَقْدِيم لفظ الْأُنْثَيَيْنِ على الذّكر فههنا يضعف
1 / 23