وصل . الطريق إلى التمكين في الحضور مع الله تعالى في جميع التقلبات ، أن يعمل على قوله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيث كنت ) ، فإن استحضار ذلك بالتعمل أولا ، والتدريج حتى يرسخ طريق إلى ترك المنهيات ، وفعل المأمورات ، إما حياء من الله ، أوتعظيما له ، ويشير إلى الثاني قوله صلى الله عليه وسلم : ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ) وإلى الأول : ( فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، والأول مرقاة إلى الثاني ، فإن مقام التعظيم أرقى ؛ لقطع منازعة النفس حينئذ ، وأما مقام الحياء فقد يكون معه بعض منازعة النفس ، فإذا عمل على ذلك حتى تمكن ، استقام بإذن الله القيوم ، والاستقامة هي المقول فيها إنها أكبر كرامة ، فإنها مع أنها لا مكر فيها ، ولا استدراج قيام بحق العبودية بمقتضى الموطن ، فإن هذا الموطن دار التكليف ، فالعاقل من يعطي الموطن حقه من القيام بحق العبودية المطلوبة منه ، والدار الآخرة موطن الجزاء ، فلا ينبغي تضييع الوقت بالاشتغال بنتائج الأعمال ، وتعلق الهمة بها ، بل لا يكون همه إلا خالص العبودية ، وأما أمر تقديم النتائج وتأخيرها فيفوضه إلى الله ، فإن قدم شيئا منها من غير طلب منه ، كان طاهرا من الحظ ، سالما من الآفات ولله الحمد ، وإنما كانت (¬1) الاستقامة سالمة من المكر ؛ لأنها اتباع الشرع على وجه الكمال، وفائدة الشرع الأمن من المكر ؛ لأن الله ما بعث الأنبياء ليمكر بهم ، بل ليبينوا طريق السعادة ، كما قال تعالى [رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل] (¬1) واللازم باطل بالنص ، فكذا الملزوم ، فمن أحكم بدايته ، وسلك منهج الشرع القويم من غير خلط ببدعة بحسب الوسع ، ثم انفعل عن همته شيء ، كان مصحوبا بالسعادة والأمن من المكر ، وأما الهمم المؤثرة من غير إحكام البدايات بالأوامر الشرعية ، فيصحبها المكر ، نعوذ بالله من ذلك .
/ قال الشيخ نفع الله به في الباب (463) : وليست الكرامات في عرف هذا 5 ب اللسان إلا خرق العوائد مع الاستقامة في الحال ، أو تنتج الاستقامة في الفور ، لا بد من ذلك عندهم ، وسبب هذا التحديد أن خرق العادة قد لا يكون كرامة من الله للعبد .
لما قال في مواقع النجوم : إن الكرامات من حيث هي كرامات لأهل الوصول المحققين ، أهل العناية ، ومن حيث هو خرق عوائد قد ينالها الممكور به المستدرج .
صفحه ۱۸