Investigations on the Explanation of Al-Jalal for Al-Waraqat
التحقيقات على شرح الجلال للورقات
ناشر
مركز الراسخون
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م
محل انتشار
دار الظاهرية - الكويت
ژانرها
التحقيقات
على
شرح الجلال للورقات
تأليف
أبي زكريا
فضل بن عبد الله مراد
الأستاذ بكلية الشريعة جامعة قطر
أستاذ مقاصد الشريعة والفقه وأصوله وقواعده بجامعة الإيمان سابقًا
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
[الشرح والإيضاح] يقول أفقر العباد إلى ربه ومولاه أبو زكريا فضل بن عبد الله مراد اليماني بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على الصادق المصدوق، أما بعد فهذا إيضاح وشرح على شرح الجلال المحلي للورقات. جمعت تحقيقاته وفرائده من كتب الأصول؛ لينتفع بها المدرس للورقات وشرحه، وتبصرة للطالب النبيه على المباحث المتعلقة بالكتاب تعلقا قريبا. وقد نقلت المذاهب من الكتب الأصول بلا واسطة، وحققت مذاهب القوم في المسائل التي نسب إليهم خلاف ما ذهبوا إليه. وبنيت الفروع الفقهية على تلك الأصول؛ ليتضح للطالب بالمثال ما لا يتضح بالمقال. وأسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه وينفع به قارئه والناظر فيه، طالبا الدعاء لي ولوالدي ومشايخي، موقنا أن الخلل وارد على الإنسان فمن رأى ذلك سدد وقارب وبالله ثقتي وعليه اعتمادي وتوكلي وهو حسبي ونعم الوكيل.
[الشرح والإيضاح] يقول أفقر العباد إلى ربه ومولاه أبو زكريا فضل بن عبد الله مراد اليماني بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على الصادق المصدوق، أما بعد فهذا إيضاح وشرح على شرح الجلال المحلي للورقات. جمعت تحقيقاته وفرائده من كتب الأصول؛ لينتفع بها المدرس للورقات وشرحه، وتبصرة للطالب النبيه على المباحث المتعلقة بالكتاب تعلقا قريبا. وقد نقلت المذاهب من الكتب الأصول بلا واسطة، وحققت مذاهب القوم في المسائل التي نسب إليهم خلاف ما ذهبوا إليه. وبنيت الفروع الفقهية على تلك الأصول؛ ليتضح للطالب بالمثال ما لا يتضح بالمقال. وأسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه وينفع به قارئه والناظر فيه، طالبا الدعاء لي ولوالدي ومشايخي، موقنا أن الخلل وارد على الإنسان فمن رأى ذلك سدد وقارب وبالله ثقتي وعليه اعتمادي وتوكلي وهو حسبي ونعم الوكيل.
1 / 5
أقول:
إنما اقتصر الإمام الجويني على البسملة دون الحمدلة تأسيًا بأول ما نزل من القرآن ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: ١]، قال الحافظ: فطريق التأسي به الافتتاح بالبسملة والاقتصار عليها ... ويؤيده وقوع كتب رسول الله ﷺ إلى الملوك، وكتبه في القضايا مفتتحة بالتسمية دون حمدلة وغيرها.
كما في حديث أبي سفيان في قصة هرقل (^١) ...، وحديث البراء في قصة سهيل ابن عمرو في صلح الحديبية (^٢)، وغير ذلك من الأحاديث.
وهذا يشعر بأن لفظ الحمد والشهادة إنما يحتاج إليه في الخطب، دون الرسائل والوثائق، و"تصانيف الأئمة من شيوخ البخاري، وشيوخ شيوخه، وأهل عصره كمالك في الموطأ، وعبد الرزاق في المصنف، وأحمد في المسند، وأبي داود في السنن، إلى ما لا يحصى ممن لم يقدم في ابتداء تصنيفه خطبة ولم يزد على التسمية، وهم الأكثر، والقليل منهم افتتح كتابه بخطبة ... وقد استقر عمل الأئمة المصنفين افتتاح كتب العلم بالبسملة وكذا معظم كتب الرسائل" ا. هـ كلام الحافظ ﵀ (^٣).
وقد جرى السلف في تصانيفهم على الحمد والصلاة، والسلام لفظًا، والاكتفاء بالبسملة في الكتابة، ويؤيده ما رواه الخطيب في الجامع عن أحمد أنه كان يتلفظ بالصلاة على النبي ﷺ إذا كتب الحديث، ولا يكتبها.
والحامل لهم على ذلك إسراع أو غيره، أو يحمل على أنهم رأوا ذلك مختصًا بالخطب دون الكتب (^٤)، وأيضًا فإن الابتداء ببسم الله الرحمن الرحيم كاف مع ما رتب عليه
_________
(^١) صحيح البخاري، برقم: ٧.
(^٢) صحيح البخاري، برقم: ٢٧٣١.
(^٣) فتح الباري على البخاري ١/ ٨١ بتصرف
(^٤) المصدر السابق.
1 / 6
من أسماء الصفات الرحمن الرحيم، ولا يعنى بالحمد إلا هذا لأنه الوصف بالجميل على جهة التفضيل كما أفاد العسقلاني ﵀.
فائدة:
قال بعضهم: يجب من جهة الصنائع على كل شارع في تصنيف أربعة أمور البسملة، والحمد، والصلاة على النبي ﷺ، والتشهد.
ويسن له ثلاثة أمور:
تسمية نفسه، وتسمية كتابه، والابتداء على المقصود وهو المعروف ببراعة الاستهلال (^١).
تنبيه: لا منافاة بين ما ذكره الحافظ من عمل السلف على الاكتفاء بالبسملة كتابةً وبين ما قاله النووي عليه رحمة الله تعالى في شرحه لمسلم: "هذا الذي فعله من ذكره الصلاة على النبي ﷺ بعد الحمدلة عادة العلماء ﵃" (^٢). إذ المقصود في كلام الحافظ عمل المتقدمين ممن في طبقة البخاري وممن هو أعلى طبقة وكذا من نزل عن طبقته، ممن لم يقدم في ابتداءاته خطبة، ولهذا من افتتح كتابه منهم بخطبة حَمِد وشهد كما صنع مسلم وغيره" (^٣).
فقول النووي عادة العلماء أي من قدم خطبة بين يدي تصنيفه والله أعلم.
_________
(^١) المصدر السابق.
(^٢) شرح النووي على مسلم ١/ ١٥٩ طبعة دار القلم.
(^٣) المصدر السابق.
1 / 7
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه ورقات قليلة، تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه، ينتفع بها المبتدئ وغيره
وذلك أي لفظ أصول الفقه، مؤلف من جزئين أحدهما أصول والآخر الفقه
مفردين من الإفراد مقابل التركيب لا التثنية والجمع، والمؤلف يعرف بمعرفة ما ألف منه.
فالأصل الذي هو مفرد الجزء الأول ما يبنى عليه غيره
كأصل الجدار أي أساسه وأصل الشجرة أي طرفها الثابت في الأرض.
والفرع الذي هو مقابل الأصل ما يبنى على غيره كفروع الشجرة لأصلها وفروع الفقه لأصوله.
[الشرح والإيضاح] - قوله فهذه ورقات جمع سلامة منكر وهي تدل على القلة، وإنما صرح الشارح بقوله قليلة مع فهمه من قوله ورقات؛ للتنصيص على استعمال هذا الجمع في موضوعه لئلا يتوهم خروجه عنه إذ يستعمل للكثرة. وقد أطال المحشون هنا الكلام على مرجع الإشارة هل هو ما في الذهن أو ما في الخارج أو الألفاظ أو النقوش أو المعاني بما لا طائل تحته. - قوله: فصول. الفصل: جملة مختصة من العلم مشتملة على مسائل غالبًا، وسمي فصلًا لانفصاله عن غيره بمغايرته له وتميزه عنه.
[الشرح والإيضاح] - قوله فهذه ورقات جمع سلامة منكر وهي تدل على القلة، وإنما صرح الشارح بقوله قليلة مع فهمه من قوله ورقات؛ للتنصيص على استعمال هذا الجمع في موضوعه لئلا يتوهم خروجه عنه إذ يستعمل للكثرة. وقد أطال المحشون هنا الكلام على مرجع الإشارة هل هو ما في الذهن أو ما في الخارج أو الألفاظ أو النقوش أو المعاني بما لا طائل تحته. - قوله: فصول. الفصل: جملة مختصة من العلم مشتملة على مسائل غالبًا، وسمي فصلًا لانفصاله عن غيره بمغايرته له وتميزه عنه.
1 / 8
- قوله: ينتفع بها المبتدئ وغيره.
انتفاع المبتدئ بالتعلم، وغيره باستفادة ما فيها، أو تذكره لجلالة فوائدها وعزة كثير منها.
قوله: أصول الفقه ... فيه مسألتان
- الأولى: تعريف الأصل لغة
عرفه المصنف لغة، فقال: ما يُبنى عليه غيره، أي: بناءً حسيا، كالجدار على أساسه أو معنويًا، كالفقه على أصوله.
وقد اعترض على هذا بالوالد وفرعه فإنه لا يبنى عليه بل يتفرع منه؛ ولذلك قال بعضهم: ما منه الشيء. ولكنه غير جامع لخروج أصل الجدار.
ولذلك قال الآمدي: أصل كل شيء هو: ما يستند تحقق ذلك الشيء إليه (^١).
وقال الإمام: ما يحتاج إليه الشيء (^٢).
الثانية: تعريف الأصل اصطلاحًا
لم يتعرض المصنف للأصل اصطلاحًا.
وله أربعة معان مشهورة (^٣):
الأول: الدليل كقولهم أصل هذه المسألة الكتاب والسنة، أي: دليلها.
قال في الكوكب: "وهذا الإطلاق هو المراد هنا" (^٤) ا. هـ.
_________
(^١) الأحكام في أصول الأحكام للآمدي ١/ ٨.
(^٢) انهاية السول ١/ ٧. الإمام الرازي في المحصول والمنتخب وتبعه الأرموي
(^٣) فواتح الرحموت ١/ ٨٨ - شرح الكوكب المنير ١/ ٣٩، ارشاد الفحول ص ٣، رفع الحاجب ١/ ٤٤.
(^٤) شرح الكوكب المنير ١/ ٣٩.
1 / 9
الثاني: الرجحان كقولهم: الأصل في الكلام الحقيقة، أي الراجح عند السامع الحقيقة لا المجاز، ـ
الثالث: القاعدة المستمرة. كقولهم: إباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل.
الرابع: المقيس عليه. وبعضهم جعل بدلًا عن هذه (القاعدة). كما يقال الفاعل مرفوع أصل من أصول النحو (^١).
_________
(^١) فواتح الرحموت ١/ ٨٨ -
1 / 10
والفقه الذي هو الجزء الثاني، له معنى لغوي وهو الفهم.
[الشرح والإيضاح] بيان معنى الفقه: المسألة الأولى: قوله في تعريف الفقه لغة: الفهم أقول صرح أهل اللغة كما في القاموس مادة ف. ق. هـ أن الفقه بالكسر: العلم بالشيء، والفهم له، والفطنة، وغلب على علم الدين لشرفه ا. هـ. وفي مختار الصحاح الفقه الفهم هذا أصله ثم خص به علم الشريعة ا. هـ. وفي الأساس للزمخشري: قال أعرابي لقيس بن عمر: شهدت عليك بالفقه. أي: بالفهم والفطنة (^١) وذكر ابن منظور هذه القصة في اللسان، وقال: الفقه العلم بالشيء، والفهم له. وغلب على علم الدين لسيادته، وشرفه، وفضله على سائر أنواع العلم .... والفقه في الأصل الفهم يقال: أوتي فلان فقهًا في الدين أي: فهمًا فيه، قال الله ﷿: "لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ" [التوبة: ١٢٢]، أي ليكونوا علماء به ... وفقه فقهًا بمعنى علم علمًا ... الخ (^٢) فتحصل من هذا: أن كلام أهل العربية متوارد على أن الأصل في الفقه: الفهم، ويطلق كذلك على العلم، والفطنة. _________ (^١) الأساس للزمخشري ص: ٤٧٩. (^٢) لسان العرب (١٣/ ٥٢٢).
[الشرح والإيضاح] بيان معنى الفقه: المسألة الأولى: قوله في تعريف الفقه لغة: الفهم أقول صرح أهل اللغة كما في القاموس مادة ف. ق. هـ أن الفقه بالكسر: العلم بالشيء، والفهم له، والفطنة، وغلب على علم الدين لشرفه ا. هـ. وفي مختار الصحاح الفقه الفهم هذا أصله ثم خص به علم الشريعة ا. هـ. وفي الأساس للزمخشري: قال أعرابي لقيس بن عمر: شهدت عليك بالفقه. أي: بالفهم والفطنة (^١) وذكر ابن منظور هذه القصة في اللسان، وقال: الفقه العلم بالشيء، والفهم له. وغلب على علم الدين لسيادته، وشرفه، وفضله على سائر أنواع العلم .... والفقه في الأصل الفهم يقال: أوتي فلان فقهًا في الدين أي: فهمًا فيه، قال الله ﷿: "لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ" [التوبة: ١٢٢]، أي ليكونوا علماء به ... وفقه فقهًا بمعنى علم علمًا ... الخ (^٢) فتحصل من هذا: أن كلام أهل العربية متوارد على أن الأصل في الفقه: الفهم، ويطلق كذلك على العلم، والفطنة. _________ (^١) الأساس للزمخشري ص: ٤٧٩. (^٢) لسان العرب (١٣/ ٥٢٢).
1 / 11
المسألة الثانية: قولا الشيرازي والرازي في معنى الفقه وتحقيق المقام
ومن العلماء (الشيرازي) من زاد قيدا آخر هو الفهم الدقيق، وزاد غيره (الرازي) بأنه فهم غرض المتكلم
ولمناقشة ذلك نقول:
١_ تخصيصه بالفهم الدقيق إخراج له عن أصل وضعه اللغوي وملاحظة الوضع الاصطلاحي، فأنت ترى أهل اللسان لم يذكروا هذا القيد.
والذي قيده بهذا القيد هو الإمام الشيرازي في شرح اللمع، كما نبه عليه الإمام القرافي في نفائس الأصول وأقره (^١)، ولم ينتبه الطوفي أنه في شرح اللمع لا في اللمع فقال: ولم أجده في اللمع فلعله في غيره أو في غير مظنته (^٢).
وفي البحر المحيط نسبته إلى أبي إسحاق الشيرازي وصاحب اللباب من الحنفية (^٣).
وقد اطلعت بعد هذا على كلام للإمام الإسنوي في شرحه لمنهاج البيضاوي يرد به كلام الشيرازي مستدلًا بكلام أهل اللسان فقال: "وقال الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع، هو فهم الأشياء الدقيقة فلا يقال: فقهت أن السماء فوقنا، وقال الآمدي: هو الفهم.
وهذا هو الصواب، فقد قال الجوهري: الفقه الفهم، تقول: فقهت كلامك بكسر القاف أفقه بفتحها في المضارع أي فهمت أفهم، قال الله تعالى: " فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا " [النساء: ٧٨]. وقال تعالى: " مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ " [هود: ٩١]. وقال تعالى: "وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ " [الإسراء: ٤٤]. ا. هـ كلامه (^٤).
_________
(^١) نفائس الأصول شرح المحصول ١/ ١١٩ - ١٢٠.
(^٢) شرح مختصر الروضة للطوفي ١/ ١٣٢.
(^٣) البحر المحيط للزركشي ١/ ١٤.
(^٤) نهاية السول ١/ ١٥ مع البدخشي وقد ناقشت دليل الامام الشيرازي بأكثر من هذا في كتابنا سبيل الأصول الى إرشاد الفحول يسر الله تمامه.
1 / 12
ونحوه قال الرهوني في شرحه على المختصر وصحح ما ذهب إليه الأكثر من أن الفقه الفهم (^١). وهذا هو مذهب أكثر الأصوليين غير أبي إسحاق الشيرازي ومن تبعه (^٢).
وقد حقق الطوفي الكلام على المسألة ونقل فيها قول الشيرازي وغيره ثم قال: فقد تحقق بما ذكرته أن الفقه هو الفهم. ا. هـ (^٣).
٢_ وقيده الإمام الرازي بالخطاب فقال: "الفقه في اللغة: فهم غرض المتكلم من كلامه" وتعقب بأنه: "يرد عليه أن المنقول عن اللغة أن الفقه هو مطلق الفهم" (^٤). ا. هـ.
وأصل هذا للإمام أبي الحسن في المعتمد، (^٥) وتبعه في المحصول كما قال الزركشي في البحر ورده، (^٦) ونقل عن ابن دقيق العيد قوله: وهذا تقييد للمطلق بما لا يتقيد به.
ودليل الإمام استعمالها في الخطاب في قوله تعالى: ﴿مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ﴾ [هود: ٩١]. ونحوها من الآيات أي ما نفهم خطابك، وأورد عليه أهل الأصول نحو قوله تعالى: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٧٩].
قال في البحر: وهذا لا يختص بالفهم من الخطاب بل عدم الفهم مطلقًا من الأدلة العقلية والسمعية وطرق الاعتبار (^٧). وقال الإمام الهندي: وأما من فسره بأنه عبارة عن فهم غرض المتكلم فقد زاد قيدًا غير معتبر في مفهومه يدل عليه ما أنشدناه من الشعر، وقوله تعالى: "وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ" [الإسراء: ٤٤]. لأنه نفي عنهم فقه تسبيحهم، وتسبيحهم ليس بالكلام على ما هو مذهب المحققين (^٨). ا. هـ، ومن العلماء من قال الفقه
_________
(^١) تحفة المسئول في شرح مختصر منتهى السول ١/ ١٤٦ تحقيق د/ شبيلي.
(^٢) شرح الكوكب المنير ١/ ٤٠ حيث نسبه إلى أكثر أهل الأصول.
(^٣) شرح مختصر الروضة ١/ ١٣٠
(^٤) شرح الكوكب ١/ ٤٠.
(^٥) المعتمد ص ٥.
(^٦) البحر المحيط ١/ ١٣ - ١٤.
(^٧) البحر المحيط ١/ ١٣ شرح مختصر الروضة للطوفي ١/ ١٣٢.
(^٨) نهاية الوصول ١/ ١٩.
1 / 13
لغةً: العلم، كالقاضي أبي يعلي في العدة (^١).
قلت: وهو وارد في كلام العرب كما عرفت مما سقته لك من نقل عن أهل اللسان، لكنه في أصل الوضع اللغوي بمعنى الفهم كما صرح به في اللسان.
إذًا الفقه في اللغة يطلق على:
- الفهم: كقوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: ٤٤].
- العلم: ومنه قوله: ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١٢٢]، أي: ليكونوا علماء به.
_________
(^١) شرح مختصر الروضة للطوفي ١/ ١٣١ وراجع البحر المحيط فإنه ذكر مقولات أخرى في معناه ١/ ١٣.
1 / 14
ومعنى شرعي وهو معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد، كالعلم بأن النية في الوضوء واجبة وأن الوتر مندوب.
[الشرح والإيضاح] تعريف الفقه اصطلاحًا: فيه مسائل المسألة الأولى: الكلام عن المعرفة وبيان حقيقتها المعرفة ترادف العلم في اللسان: قال الجوهري: "علمت الشيء أعلمه علمًا: عرفته". وفي القاموس: "عرفه معرفةً ... علمه". وفي علم: قال: علمه، كسمعه، علمًا، بالكسر: عرفه. وفي اللسان مادة عرف: العرفان: العلم وفيه في مادة علم: وعلمت الشيء أعلمته علمًا: عرفته، ويجوز أن تقول علمت الشيء بمعنى عرفته وخبرته. وفي مختار الصحاح: (العارف) بمعنى كالعليم، والعالم. وفي مادة علم: "وعلم الشيء بالكسر يعلمه علمًا عرفه". وتعبير المصنف في تعريف الفقه بالمعرفة، وقوله فيما سيجيء: العلم معرفة، كأنه حاول به التنبيه على أن المراد بالمعرفة والعلم واحد، لا كما اصطلح عليه البعض من التفرقة (^١). _________ (^١) شرح الورقات لابن إمام الكاملية ص ٩٠.
[الشرح والإيضاح] تعريف الفقه اصطلاحًا: فيه مسائل المسألة الأولى: الكلام عن المعرفة وبيان حقيقتها المعرفة ترادف العلم في اللسان: قال الجوهري: "علمت الشيء أعلمه علمًا: عرفته". وفي القاموس: "عرفه معرفةً ... علمه". وفي علم: قال: علمه، كسمعه، علمًا، بالكسر: عرفه. وفي اللسان مادة عرف: العرفان: العلم وفيه في مادة علم: وعلمت الشيء أعلمته علمًا: عرفته، ويجوز أن تقول علمت الشيء بمعنى عرفته وخبرته. وفي مختار الصحاح: (العارف) بمعنى كالعليم، والعالم. وفي مادة علم: "وعلم الشيء بالكسر يعلمه علمًا عرفه". وتعبير المصنف في تعريف الفقه بالمعرفة، وقوله فيما سيجيء: العلم معرفة، كأنه حاول به التنبيه على أن المراد بالمعرفة والعلم واحد، لا كما اصطلح عليه البعض من التفرقة (^١). _________ (^١) شرح الورقات لابن إمام الكاملية ص ٩٠.
1 / 15
المسألة الثانية: الفرق بين المعرفة والعلم:
قال العلماء: إن المعرفة في الاصطلاح إدراك البسائط تصورًا، أو تصديقًا.
أو هي: إدراك الجزئيات.
أو هي: الإدراك بعد الجهل.
أو هي: الإدراك الأخير من إدراكين لشيء واحد يتخللهما عدمٌ (^١).
والعلم: يختص بإدراك المركبات تصورًا أو تصديقًا.
ويقال: عرفت الله دون علمته (^٢)، وفي شرح المواقف: إن علمه تعالى لا يسمى معرفة إجماعًا لا اصطلاحًا، ولا لغة (^٣).
وهكذا يقال في البقية.
فالعلم يختص بإدراك الكليات أعم من أن يكون مفهومًا كليًا أو قاعدة كلية.
وكما أن المعرفة تختص بأنها: إدراك بعد جهل، أو إدراك الأخير من إدراكين ... الخ.
فالعلم بخلاف ذلك.
ولهذا لا يوصف الباري تعالى بالعارف ويوصف بالعالم، إذ علمه تعالى لا عن جهل سبق، ولا عن إدراكين بينهما عدم.
ولكن ينسب إليه الفعل من باب المقابلة، والمشاكلة ولذلك قال شيخ الإسلام أبو زرعة العراقي في نكته على منهاج الأُصول: وقد وقع إطلاق المعرفة على الله تعالى في
_________
(^١) المصدر السابق. لأن الادراك الأول هو السؤال ما هو؟ ثم يلحق السؤال مرحلة التأمل وهي المراد بقوله يتخللهما عدم ثم يليها الادراك الأخير وهو تصوره ما هو.
(^٢) الشرح الكبير ١/ ١٨٤، وشرح بن إمام الكامليه ٩٠/ ٩١.
(^٣) شرح المواقف للأيجي ١/ ٧١.
1 / 16
كلام النبي ﷺ، وأقوال أصحابه، وأهل اللغة (^١)
قلت: ومنه الحديث المشهور: إحفظ الله تجده تجاهك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة (^٢).
المسألة الثالثة: استعمال العلم، والظن كل واحد مكان الآخر ثابت لغة وشرعًا وعرفًا
قلت: بيّن في اللسان في مادة ظن: أن الظن يطلق في لغة العرب ويراد به اليقين أي: يقين الفكر، والتدبر، لا يقين العيان. فإنه لا يقال فيه إلا علم (^٣).
وما نحن فيه من الأول.
فعليه يجوز إطلاق العلم بمعنى الظن حقيقة لغوية وعرفية للفقهاء ونحوهم.
بل وشرعية كما في قوله تعالى: " الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ " [البقرة: ٤٦]. أي: يعلمون علم اليقين مع أن هذا في مقام ثناء ومدح، ولا يستعمل فيه إلا ما يدل على أرفع الصفات الممدوحة فلا يمدحون بشيء محتمل للذم، فدل على أن الظن بمعنى العلم وارد في لغة العرب، والقرآن، واستعمال الفقهاء، فهو حقيقة على أي وجه والتفرقة بينهما اصطلاح حادث.
المسألة الرابعة: هل يصلح المجاز في التعاريف؟
المجاز المشهور في التعاريف وارد. بل قال العلامة ابن السبكي في منع الموانع: "وأما دخول المجاز في الحد فجائز إذا كان مشهورًا ". وأنا أقول: إني لم أر تعريفًا إلى الآن لا مجاز فيه، لا في المنطق، ولا في الكلام، ولا في الأصول، وهي العلوم التي تحرر فيها التعاريف أكثر من غيرها فما ظنك بغيرها. ا. هـ (^٤).
_________
(^١) راجع شرح ابن إمام الكامليه ٩٠/
(^٢) الحديث في مسند أحمد ط الرسالة (٤/ ٤٠٩) ٢٦٦٩.
(^٣) لسان العرب (١٣/ ٢٧٢)
(^٤) الآيات البينات ١/ ٨٤. وشرح الورقات لابن قاسم ١/ ١٨٣.
1 / 17
وقال ابن الأمير: "وقد يقال (يعني العلم) على: ما يشمل الظن. وكثيرًا ما يستعمله الفقهاء في هذا الأخير، وهو معناه الأعم. (^١)
والمراد به هنا ما يشمل المعنيين جميعًا- أي: الاعتقاد الجازم ... الخ والظن فقط. فإن كان لفظ العلم مشترك بينهما، فاستعمال المشترك في معنييه- وإن كان مهجورًا في التعاريف- فالمقام هنا مشعر بالمراد فتزول الجهالة، وإن كان ليس بمشترك كما أفاده في المواقف، فإنه قال: إن تسمية الظن علمًا، وجعله مندرجًا فيه كما ذهب إليه الحكماء، مخالف لاستعمال اللغة، والعرف، والشرع.
فقد قيل عليه إنه لا مانع من إطلاقه عليه مجازًا، والتعريف بالمجاز المشهور قد أجازوه. ا. هـ.
ولو سلم كونه مجازًا فهو مجاز مشهور يجوز استعماله في الحدود كما تقدم وإن سلم (^٢) "فالتقييد بالحصول عن الاجتهاد قرينة واضحة لهذا المجاز، لوضوح أن الحاصل عن الاجتهاد لا يكون إلا ظنيًا" (^٣).
قلت: وقد عرفناك أن العلم بمعنى الظن حقيقة في اللغة، والقرآن، وعرف الفقه، فقول صاحب المواقف غير صحيح بل هو محاكمة للفظ إلى الاصطلاح الحادث.
والخلاصة:
١ - أن استعمال العلم بمعنى الظن حقيقة لغوية، عرفية، شرعية.
٢ - أن المجاز المشهور سائغ في الحدود.
٣ - أن العلم هنا بمعنى الظن لتقييد حصوله عن اجتهاد.
_________
(^١) إجابة السائل شرح بغية الآمل في الاصول، ص ٢٢.
(^٢) الشرح الكبير لابن قاسم ١/ ١٨٣.
(^٣) الشرح الكبير لابن قاسم ١/ ٨٥.
1 / 18
المسألة الخامسة: قوله: معرفة الأحكام
هل المراد بمعرفة الأحكام جميعها، أم بعضها، أم غالبها.
فإن قلنا بالأول: استحال أن يوجد فقيه أو مجتهد.
وإن قلنا بالثاني: كان جميع الناس مستحقين لهذا الوصف، فيصح حينئذ وصف المقلد والعامي بذلك.
وإن قلنا بالغالب: قيل الغلبة لا تنضبط، وغير المضبوط لا يضبط به.
وسبب ورود ذلك في المسألة الاختلاف في حقيقة -أل- في الأحكام هل هي للجنس الاستغراقي أم لا؟
فعلى الأول: لا يكون الحد جامعًا لخروج كثير من المجتهدين، وعلى الثاني: لا يكون الحد مانعًا لدخول المقلد والعامي.
والجواب أن المراد "بمعرفة الأحكام"، أي: معرفة بالاجتهاد تحقيقًا، وتهيؤًا قريبًا. وإنما قيدناها بالقرب ليخرج التهيؤ البعيد كتهيؤ العامي والمقلد (^١).
وقيل إن التعريف صحيح على كلا التقديرين.
١) فعلى تقدير أنها للاستغراق المقصود تهيؤه تهيؤًا قريبًا بحيث لو تأمل في المسألة أدركها.
٢) وعلى تقدير عدم الاستغراق فالمقصود ما حصل عن ظن ومعرفة استدلالية، وهذا لا يكون في العامي والمقلد.
_________
(^١) نفائس الأصول بشرح المحصول للقرافي ١/ ١٢٢ وتحفة المسؤول شرح علي بن حاجب للرهوني ١/ ١٥٤، ورفع الحاجب للسبكي ١/ ٢٤٦، وبيان المختصر للأصفهاني ١/ ٢٨، ومختصر الروضة للطوفي ١/ ٤.
1 / 19
المسألة السادسة خرج "بالأحكام"
" الذوات، والصفات، والأفعال " قاله في الحاصل (^١).
وبيانه أن العلم لا بد له من معلوم وهذا المعلوم أربعة:
١) الجسم أو الذات.
٢) الفعل.
٣) الصفة.
٤) الحكم.
فالذات كالإنسان، والفعل كالضرب، والصفة كالسمرة والبياض، ونحوها والحكم هو: نسبة الفعل إلى الذات فتقول ضرب زيدٌ عمرًا.
ووجه هذا الحصر (^٢): "أن المعلوم إن لم يكن محتاجًا إلى محل يقوم به فهو الجوهر كالجسم، وإن احتاج فإن كان سببًا للتأثير في غيره فهو الفعل كالضرب والشتم، وإن لم يكن سببًا فإن
كان نسبة بين الأفعال والذوات فهو الحكم، وإن لم يكن فهو الصفة كالحمرة والسواد. فلما قيد العلم "المعرفة" بالحكم كان مخرجًا للثلاثة" (^٣).
المسألة السابعة: خرج بقوله الشرعية
العقلية. كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، وأن الكل أعظم من الجزء، والعادية كالطب والهندسة، وعن اللغوية والحسية كالعلم بأن النار محرقة (^٤)
_________
(^١) الحاصل من المحصول في الاصول لتاج الدين ابي عبد الله مهد بن الحسين الأرموي الامام الاصولي الفقيه الشافعي ٢/ ٢٠ تحقيق د / عبد السلام ابو ناجي دار المدار الاسلامي.
(^٢) راجع نهاية السول للإسنوي ١/ ١٩ - ٢٠
(^٣) المصدر السابق ١/ ٢١. وشرح جمع الجوامع للجلال ١/ ٤٥. لأن الحكم: "نسبة أمر إلى آخر بالإيجاب، أو بالسلب كعلمنا بقيام زيد، أو بعدم قيامه
(^٤) المصدر السابق ١/ ٢١. وشرح جمع الجوامع للجلال ١/ ٤٥.
1 / 20
المسألة الثامنة: قوله التي طريقها الاجتهاد
هذه يجب أن تكون صفة لـ "معرفة"، أي: معرفة طريقها الاجتهاد؛ لأن هناك معرفة طريقها التقليد؛ لإخراج فقه المقلد والخلافي الآخذ عن إمامه المسألة بدليلها؛ وإنما نبهنا على هذا لأن المتبادر إلى الفهم أنها صفة للأحكام فيدخل علم المقلد في الحد.
ولا يقال إن جعل (التي طريقها الاجتهاد) قيدًا للأحكام كافٍ عن جعلها قيدًا للمعرفة، لأنا نقول: لا يقتضى تقييد الاحكام بذلك ألا يدخل في الحد علم المقلد؛ لأن علم المقلد يصدق عليه أنه "معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد"، إذ إن المقلد يعلم المسألة التي طريقها الاجتهاد ويعرفها، ولكن لا بالمعرفة الاجتهادية بل بالمعرفة التقليدية لإمامه. فتنبه لهذه الدقيقة وقد قرر شراح الكتاب ذلك؛ منهم بالتصريح: كالتاج الفزاري، والعبادي في شرحه على شرح المحلى، والدمياطي في حاشيته (^١)، ومنهم بغيره: كالمحلى لما قال: "بخلاف ما ليس طريقه الاجتهاد"، فيه إشارة إلى أن المقصود العلم الذي طريقه الاجتهاد.
أي المعرفة التي طريقها الاجتهاد كما تقدم فيخرج به علم المقلد، ويخرج كذلك علم الباري ﷾، وعلم جبريل، وعلم رسول الله ﷺ (^٢):
أما علم الله فلا يوصف بأنه مكتسب، ولا ضروري:
أما الأول: فلإشعار الاكتساب بسبق الجهل المحال عليه تعالى، وأما الثاني: فلأن الضروري يطلق على معنيين:
١. على ما لا يفتقر إلى نظر واستدلال.
_________
(^١) شرح العبادي مع إرشاد الفحول ١/ ١٤. وحاشية الدمياطي ص ٣. قال العبادي في شرحه "ولو سلم عدم اللزوم فلا أقل من أنه أعنى جعل الموصوف الأحكام يوهم ذلك إيهامًا قويًا والاحتراز عنه مع إمكانه أولى بل واجب" ص ٤
(^٢) البناني على شرح المحلي لجمع الجوامع ١/ ٤٥.
1 / 21
٢. وعلى ما قارنه الاحتياج إليه.
وهو بالمعنى الأول لا خير في إطلاقه على علم الله تعالى؛ ولكن لما كان يطلق على الثاني المنزه عنه علمه تعالى كان إطلاق الضروري على علمه تعالى موهمًا إرادة المعنى الثاني فامتنع إطلاقه لذلك.
وأما علم جبريل فهو بما ينزل إليه من عند الله، بخلق علم ضروري يستفيد به الحكم منه، لا بواسطة النظر والاستدلال.
كذا قالوا وهو ضرب من الكلام علي الغيب بلا برهان من كتاب ولا سنة.
وعلم النبي ﷺ الأحكام مما يوحى إليه.
وهذا واضح بناء على أن ذلك من النظر في الأدلة، ويحتمل عدم تسميته فقهًا بناءً على أن الله يخلق له علمًا ضروريًّا يدرك به ما اجتهد فيه. قولان (^١).
فائدة - من هو الخلافي؟
الخلافي المراد به: من يأخذ من المجتهد الحكم بدليل خاص إجمالي.
وهل المراد الأخذ من نفس المجتهد كأخذ ابن القاسم عن مالك، والمزني عن الشافعي، أم المراد به كل حافظ لقول إمامه يريد تأييده في أي عصر ولو لم يشافه إمامه؟
أخذ العطار في حاشيته بالثاني (^٢)، ورد الأول وأشار إلى أنه وهم.
بل الخلافي منسوب لعلم الخلاف أي المشتغل به في أي عصر.
_________
(^١) شرح العبادي مع إرشاد الفحول ١/ ١٤. وحاشية الدمياطي ص ٣. البناني على شرح المحلي لجمع الجوامع ١/ ٤٥ ..
(^٢) حاشية العطار على جمع الجوامع ١/ ٦٢.
1 / 22
المسألة التاسعة: لماذا أغفل المصنف قيد "العملية" في تعريف الفقه وتحقيق المقام بما لا تجده في غيره؟
أغفل إمام الحرمين قيدًا مشهورًا عند الأصوليين وهو "العملية" صفة للشرعية، مع أن غرض بعض أهل الفن من هذا القيد إخراج الأحكام الشرعية العلمية، أي الاعتقادية: كالعلم بأن الله واحد، وأنه يُرى في الآخرة، وأن الجنة والنار مخلوقتان (^١).
والجواب -والله أعلم-: أن المصنف أغفله ليدخل علم الاعتقاد، والأخلاق، والسلوك في حد الفقه، لأنه يتعلق به كيفية معاملة الخالق سبحانه، وهو فقه بل هو الفقه الأكبر فوجوب الصدق والإيمان، والبر، والتقوى، حكم فقهي، وحرمة الكذب، والخيانة، والفسق، والحسد، والقنوط كذلك حكم فقهي.
وهكذا وجوب معاملة الخالق، وحرمة الشرك، والعقائد الفاسدة، كل هذا من الفقه الأكبر وهو فقه الأصول، وذاك فقه الفروع هذا ما ظهر لي. ثم تتبعت كلام المصنفين في الأصول فترجح عندي ذلك.
وبيان ذلك بمباحث:
تحقيق هام لمعنى "العملية " في تعريف الفقه وما يتعلق بها من مباحث:
الأول: معنى العملية.
الثاني: ما يحترز بها.
الثالث: من زادها أو أغفلها أو أبدلها.
أما المبحث الأول: فهو معنى العملية (^٢):
العمل المراد به هنا ما يشمل عمل الجوارح الظاهرة والباطنة من الأفعال والأقوال.
_________
(^١) شرح جلال الدين المحلى على الجمع ١/ ٤٥.
(^٢) الآيات البينات ١/ ٨١، والبناني والشربيني على الجمع ١/ ٤.
1 / 23