مدخل إلى القرآن الكريم عرض تاريخي وتحليل مقارن

Muhammad ibn Abdullah Daraz d. 1377 AH
128

مدخل إلى القرآن الكريم عرض تاريخي وتحليل مقارن

مدخل إلى القرآن الكريم عرض تاريخي وتحليل مقارن

ناشر

دار القلم

شماره نسخه

الخامسة (مزيدة ومحققة)

سال انتشار

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

محل انتشار

الكويت

ژانرها

«سبرنجر» أنه ينتمي إلى شعب وثني لم يتلق أي كتاب سماوي من قبل (^١)، وإنما يؤكد، بصريح العبارة، أنه لم يسبق له أن قرأ كتابا قبل القرآن، أو كتب بيده: ﴿وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ [العنكبوت: ٤٨]. ولا شك أن معارضيه كانوا يعرفون فيه هذه الأمية جيدا، لأنهم عندما أرادوا تعليل المصدر الذي تلقى عنه أساطير العصور القديمة، لم يجرؤوا أن يقولوا «كتبها» وإنما قالوا «اِكْتَتَبَها» أي كتبها له غيره ﴿وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفرقان: ٥] وهما عبارتان مختلفتان تمام الاختلاف، إلا أنه التبس معناهما على بعض المستشرقين (^٢).

(^١) وهذا التفسير غير معقول في بعض المواضع، فضلا عن أنه يتعارض مع القرآن في مواضع أخرى، حيث تطبق كلمة «أمي» على اليهود غير المتعلمين وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاّ أَمانِيَّ [البقرة: ٧٨] ومن جهة أخرى عندما يقرر الرسول ﷺ أنه هو وقومه «أمة أمية» يفسرها بأنهم لا يقرأون ولا يحسبون (البخاري كتاب الصوم باب ١٣). (^٢) انظر مثلا الكتاب السابق تأليف لوبلوا (ص ٣٤). ولقد حاول هذا الكاتب - اقتداءا بغيره من الكتاب - أن يثبت العكس استنادا إلى رواية مضمونها أن الرسول ﷺ وهو على فراش الموت، طلب أن يؤتى إليه بما يكتب عليه وصيته بشأن الخلافة. ولكن هذه الحجة ليست كافية، لأن الرواية لا تقول إن الرسول ﷺ كتب بالفعل، ولا ينبغي استخلاص شيء من أمر لم يتم، ولا سيما بالنسبة لإنسان في حالة احتضار. ومن جهة أخرى، إن استعمال فعل «يكتب» بالنسبة للرؤساء والعظماء بوجه عام - ومن باب أولى بالنسبة لرئيس معروف بين أتباعه بأنه لم يستعمل القلم ولم يقرأ أبدا فيما مضى - معناه أن «يملي أو يضع خاتمه». وبناء على ذلك يستعمل الرواة عند الحديث عن مراسلات الرسول ﷺ السياسية للملوك والحكام هذا الفعل بالمعنى السابق «كتب إلى فلان» أي بواسطة كتبته أو سكرتارييه. ونفس الموقف عندما قيل «بينما يكتب هو وسهيل إذ طلع .. الخ» وذلك في صلح الحديبية بينما الذي كان يكتب بالفعل هو علي بإملاء الرسول ﷺ. وهناك تعليل آخر حاولوا استنتاجه في حادث عرضى وقع أثناء هذا الصلح ذاته. إذ لما عنون علي الصلح وذكر فيه اسم الرسول ﷺ «محمد رسول الله ...» اعترض مندوب قريش بحجة أنه إذا كان يعلم أنه رسول الله لما قاتله - ونزولا على رغبة هذا المندوب أمر الرسول ﷺ عليا باإلغاء هذا العنوان، ولكن الكاتب الورع لم يجرؤ على إجراء الشطب المطلوب، وعندئذ سأله الرسول ﷺ عن مكان الكلمة المطلوب إلغاؤها وشطبها بيده. إلى هنا وليست هناك خلافات. إلا أنه توجد رواية صحيحة تضيف أن الرسول ﷺ كتب محل الكلمة المشطوبة «محمد بن عبد الله» وهذه الإضافة تنسب في ظاهرها الكتابة إلى الرسول ﷺ. وحتى على فرض أن هذا هو معني الرواية فليس هناك إشكال لأن القاعدة العامة تقتضى أن يكون إلحاق هذه الصفة بعبارة ذات معنى قطعي. ثم إن أي التباس ظاهري في المعنى توضحه وتبينه الروايات الأخرى التي تذكر أنه بعد إلغاء العنوان السابق بمعرفة الرسول ﷺ استبدله بآخر. أما الإفادة من هذه النقطة الضيقة لإثبات معرفة الرسول ﷺ للكتابة فيعد نسيانا للواقعة التي تقول إنه لم يستدل -

1 / 149