عند ما دخل التتار بغداد قتلوا الخليفة ومن ظفروا به معه من العلماء، والوزراء، والقواد والعباد، حتى أن عدد القتلى بلغ ما يقارب ألف ألف نسمة، حتى سال الدم مثل الأنهر في الشوارع، وكثرت الجثث وأصبحت الخيل تدوسها من كثرة انتشارها في الطرقات، وفسد الهواء من رائحتها، وانتشر الوباء بسببها حتى وصل إلى الشام كما يقال «١».
واعتدوا على التراث الإسلامي في بغداد ورموه في النهر حتى أن ماءه اسودّ من كثرة تلك الكتب.
وبقي التتار فيها على تلك الحال يعيثون ويقتلون أربعين يوما، ثم رحل قائدهم هولاكو عنها وعين من ينوب عنه في حكم بغداد وما حولها.
وقد وصف ابن الأثير «٢» هذا الحدث في كتابه الكامل في التاريخ (١٢/ ٣٦) وصفا مبكيا ومحزنا.
وبقيت بلاد المسلمين بلا خلافة إلى عام ٦٥٩ هـ ثم نصّب المستنصر بالله «٣» في مصر، وبقي حكم العراق تحت أيدي التتار طوال حياة الطوفي.
ولم تستقر الأمور إبان حكمهم بل كانوا متناحرين فيما بينهم على السلطة وهكذا كانت حالة العراق، بلد الطوفي فإنه إن سلم ولو قليلا من أذى الصليبيين
_________
(١) انظر شذرات الذهب ٥/ ٢٧٠ - ٢٧٣، والبداية والنهاية ١٣/ ٢٠٠ - ٢٠٣.
(٢) علي بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري، عز الدين أبو الحسن.
ولد ونشأ في جزيرة ابن عمر. وسكن الموصل وتوفي بها سنة ٦٣٠ هـ- (انظر طبقات الشافعية ٥/ ١٢٧، والأعلام ٤/ ٣٣١).
(٣) منصور بن الظاهر بن محمد بن الناصر ابن المستضيء، وهو باني المدرسة المستنصرية كما سيأتي- إن شاء الله- ولي بغداد بعد وفاة أبيه، وكان حازما حسن السياسية. توفي ببغداد سنة ٦٤٠ هـ (انظر الكامل في التاريخ ٩/ ٣٦٩، والأعلام ٧/ ٣٠٤).
1 / 25