انتصار بر علمای شهرها
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
المذهب الثاني: أنه طاهر ولا يجب نزحه، وهذا هو المحكي عن الإمام القاسم بن إبراهيم، وهو قول مالك.
والحجة على ذلك: ما حكيناه من ظواهر الأخبار الواردة في المياه كحديث أبي سعيد الخدري بقوله عليه الصلاة السلام: (( خلق الماء طهورا )) وحديث ابن عباس بقوله عليه الصلاة السلام: (( الماء لا يخبث )). وغير ذلك من الأخبار الدالة على أن الماء لا ينجس إلا بأن يكون متغيرا بالنجاسة. وروى محمد بن منصور [المرادي] في جامعه(¬1) قال: حضرت القاسم بن إبراهيم وكان يستسقى له من بئر كان يتوضأ منها، فأصابوا فيها حمامة ميتة. فأعلم بذلك القاسم فقال لغلمانه: انظروا هل تغير منها طعم أو ريح؟ فنظروا فلم يروا تغيرا فتوضأ منها ولم ينزح منها شيئا.
والمختار: ما عول عليه القاسم بن إبراهيم، وهو متفرع على أن الماء القليل لا ينجس بوقوع النجاسة عليه إلا أن تكون مغيرة له.
والحجة على ذلك: ما أسلفناه من قبل من الأحاديث، فإنها دالة على أن الماء لا يكون نجسا إلى بأن تغيره النجاسة، فإذا كان ماء البئر قليلا أو لا يعلم حاله في القلة والكثرة ولم يكن متغيرا بوقوع النجاسة عليه فإنه يكون طاهرا لا محالة إذ لا وجه يقتضي نجاسته، فإذا كان طاهرا فلا فائدة في نزح البئر؛ لأن النزح إنما يكون لتطهير الماء بزوال ما ينجس من الماء بالتغير، فإذا كان لا تظهر عليه نجاسة فلا فائدة عند ذلك في نزحه، فلا جرم قضينا بطهارته وبطلان نزحه.
الانتصار: يكون بإبطال ما اعتمدوا عليه.
قالوا: قد أسلفنا في باب المياه أن الماء إذا كان قليلا فإنه ينجس بوقوع النجاسة عليه وإن لم يكن متغيرا، وماء البئر منه عند قلته فيجب القضاء بكونه نجسا وإن لم يتغير.
قلنا: وقد تكلمنا على ما ذكرتموه في باب المياه، وقررنا أن الماء لا ينجس إلا بالتغير قليلا كان أو كثيرا، وإليه تشير ظواهر الأخبار، فأغنى عن التكرير والإعادة.
صفحه ۴۳۵