308

انتصار بر علمای شهرها

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

ژانرها

فقه

واعلم أن ما ذكره في هذا الفصل ليس وراءه كثير فائدة ولا تحته جدوى نافعة، فليس يخلو غرضه بما ذكره فيه، إما أن يريد أنه لا يجوز العمل على الشك والانتقال إليه فهذا فاسد لا قائل به، فإنه لا يجوز العمل على الشك في شيء من أحكام الشريعة مقطوعها ومظنونها، ولا ورد تعبد بالشك بحال، وإن كان غرضه أن كل من علم بأن زيدا في الدار بطريق المشاهدة والإدراك ثم غاب عنه ولم يشاهده فإنه لا يحصل العلم به من تلك الطريق فهذا صحيح، فإن كل من لم يدرك لم يحصل العلم بالإدراك، وكل من لم يعلم فإنه جاهل به، وليس وراء هذا مزيد فائدة، وإن كان الغرض أن الواحد لا يجوز له الاعتقاد لما لا يعلم حقيقة حاله ولا يجوز له الإخبار عما لا يأمن كونه كذبا، فهو ظاهر لا مرية فيه وليس مختصا بهذا الموضع ذكره، وموضعه كتب الكلام.

الاستدراك العاشر: قوله: إنه يجوز الانتقال من اليقين إلى الشك في الشرعيات، ومثاله أنه لو كان معه إناء من ذهب موزون، ثم وقع فيه سبب يجوز أن يكون قد نقص وزنه نحو أن يقع على الأرض أو يسرقه سارق أو غير ذلك، فإنه إذا أراد أن يبيعه بدينار لم يجز له أن يبيعه إلا بأن يعيد وزنه، وقام هذا الشك الجائز مقام القطع بأنه قد نقص وزنه.

قلنا: إن كان الغرض من هذا الكلام هو أن الشك قد عمل به فهذا فاسد، فإن الشك لا يكون مستندا لحكم من أحكام الله تعالى على خلقه بحال، وإن كان الغرض هو إبانة التعبد في الذهب بمثله والفضة بمثلها، أنه لا بد من اعتبار المساواة فيهما علما فهذا مسلم، فمهما لم يحصل العلم لم تصح المعاوضة، فما هذا حاله ليس عملا على الشك أصلا، وهكذا حال المكيل بمثله والموزون بمثله، لا يجوز بيعه إلا بعد إعادة كيله أو وزنه للحديث الوارد، فهو تعبد لا يعقل معناه، فإذا كان العلم مشترطا فيها وزال لم يجز العمل لبطلان الشرط، لا لأجل العمل على الشك والجواز المحتمل، وهكذا لو كان لرجل عشرون بنتا فارتضعت منهن واحدة لبن من لا يجوز له نكاح بنتها حرمن عليه، لأن التعبد في حقه أن لا ينكح إلا من يعلم أنها تحل له، فإنما حرمن عليه لعدم العلم الذي ذكرناه وهو الشرط في النكاح، لا من أجل حصول الشك والجواز، ولأجل كونه واردا على جهة التعبد لم يجز الإلحاق بها إلا ما يكون في معناها، سواء كانت العلة مظنونة أو مقطوعة، فإذا ورد في الذهب قسنا عليه الفضة، وإذا ورد في المكيل قسنا عليه الموزون، وإذا ورد في الحرائر قسنا عليه الإماء. ولا يقاس عليه ما يخالفه في جنسه إذ لا علة هناك تجمعهما، فحيث يكون مضطرب النظر هو طلب الجامع فإنه غير جار فيه، وحيث يكون مضطرب النظر فيه التعرض للفارق فإنه جار فيه.

صفحه ۳۱۳