انتصار بر علمای شهرها
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
ژانرها
المسألة الخامسة: في بيان حكم الطهارة من الحدث هل يعقل معناها في ذلك أم لا؟
ذهب علماء العترة ومتبعوهم إلى أن طهارة الحدث غير معقولة المعنى، وأرادوا بما ذكروه من ذلك هو أنها جارية على صرف التعبد من جهة الله تعالى، منسدة عنها مسالك المعاني ومنحسمة فيها طرق القياس، وعن هذا قالوا: إنها مقصورة على الماء بحيث لايقوم غيره في تحصيلها من المائعات مقامه، وبه قال: أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ولايختلفون في ذلك.
والحجة على ذلك: هو أن الطهارة من الأحداث مختصة بأوقات وجارية على كيفيات مقررة من جهة الشرع، بحيث لاتهتدي العقول إلى معرفة أسرارها ولاتنتهي إلى غاياتها، فخصها بوقت الحدث دون غيره، وأوجبها في أعضاء مخصوصة عن موضع الحدث، ثم أوجب غسلها من غير نجاسة فيها لأجل نجاسة خارجة من غيرها، ثم أوجب غسل الأكثر منها، ومسح بعضها على هيئة مقدرة وكيفية مرتبة لاتخفى، وكل ماذكرناه من هذه التصرفات الجارية من جهة الشرع، فيها دلالة على أنها جارية على جهة التحكم من غير أن يكون للعقول إليها تطلع في فهم معناها، ومن أجل ذلك احتكم فيها بأنه لايجرى غير الماء في تأدية المقصود منها مجراه.
وذهب بعض متبعي الشافعي إلى أن طهارة الحدث معقولة المعنى، وزعموا أن الغرض هو تنقية هذه الأعضاء من القاذورات، وعن هذا قالوا: تجوز بغير الماء لما كان المعنى فيها مفهوما، كماء الورد وغيره من الأمواء الطاهرة. وحكي عن الأوزاعي (¬1): جواز التوضؤ بجميع الأنبذة بخلاف ماقاله أبو حنيفة فإنه قصره على نبيذ التمر دون غيره من سائر الأنبذة، وقد حكى عنه ابن أبي مريم(¬2): رجوعه عن جواز التوضؤ به.
صفحه ۱۹۵