وثانيتهما: ترتب على حرص الأسر على مخطوطاتها، أو تسبب فيه ونتج عنه أن انتشر واشتهر في أوساط كثير من الأسر اليمنية -ولا يزال لدى بعضها حتى اليوم- حصر توارث المخطوطات من الكتب بصفة خاصة على الذكور من أفراد الأسرة دون النساء، حتى لا يخرج موروثها من الكتب إلى أسر أخرى. ولكن دون وجود تعصب أو تحيز ضد الوارثات من النساء أو إنكار حقهن بأية صفة من الإكراه أو الحرمان، بل برضاهن أولا، وبتعويضهن عن الكتب من المنقولات الموروثة الأخرى ثانيا، أو أن يشتري الرجل نصيب قريبته من أسرته، بعد القسمة بثمن الزمان والمكان حسب تقويم عدول مختصين، ويساعد على ذلك في الغالب، عدم اهتمام المرأة بالمخطوطات من جهة، وكثيرا ما تشاطر أسرتها الحرص على الاحتفاظ بالمخطوطات المتوارثة.
وهذه عادات وأساليب ليس هذا موضع مناقشتها، وقد لا يجد المعترض سبيلا شرعيا إلى الطعن فيها، طالما ظلت قائمة على الصفة الشرعية التي استعرضنا جانبا منها في المثال الأخير. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى.. فإن الحرص الشديد من أصحاب المكتبات الخاصة على مجلداتهم، وهو حرص يشمل في الغالب المتعلمين وغيرهم من أفراد الأسرة الواحدة.. لا يبدو أنه آت من فراغ، ولكن له أسبابا فرضتها حالات تعرضت فيها الكتب للضياع بطرق مشروعة أو شبه مشروعة، كالعارية التي لا ترد، وكأخذها بصورة مؤقتة لبعض المدارس، ثم بعد فترة من الزمن والنسيان تصبح وقفا بطريق الخطأ، أو تتنقل من شيخ (أستاذ المدرسة العلمية) إلى آخر، وربما من مدرسة إلى أخرى.. وبطرق غير مشروعة، كالمصادرة والنهب والابتزاز والسرقة...إلخ. ثم من ناحية ثالثة، أن اعتقادا ترسخ لدى كثير من الأسر اليمنية يربط المحافظة على المخطوطات الموروثة بشيء من كرامة وسمعة الأسرة، وهو اعتقاد قد بدأ بانتشار المطابع بالدرجة الأولى، يتلاشى في طريقه إلى الانحسار.
4- عزلة المكتبات العامة:
وكما سبق، فإن وجود المخطوطات في المكتبات العامة، وإن كان وجودها فيها أقل عزلة وأكثر حضورا، إلا أنها في حد ذاتها عزلة أيضا، لولا تبريرها بأنها أهون الشرين كما يقال، وأن ذلك هو كل ما في الإمكان حاليا؛ ذلك أن وجودها تظل فائدته محصورة تقريبا على الباحث والدارس، بمن فيهم أصحاب الدراسات الأكاديمية العليا أو المتخصصة. ويؤكد هذه العزلة في بلادنا وما شابهها بصفة خاصة، عوامل عدة مثل:
صفحه ۲۲