انتصار بر علمای شهرها
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
ژانرها
وأما أصحاب أبي حنيفة، فنصوصه وإن كانت كثيرة في المسائل، لكن أبا يوسف (¬5) ومحمد بن الحسن الشيباني، في غاية الجد والجهد في تقرير مذهبه وتلخيص مسائله وإلحاق غير المنصوص بالمنصوص، وهكذا حال الشيخ أبي الحسن الكرخي والجصاص (¬1)، فإن هؤلاء هم العمدة في نقل مذهب أبي حنيفة والتخريج عليه، وغيرهم من عظماء الحنفية وزعمائهم الذين أصلوا مذهبه وفصلوا مسائله وأظهروا أسراره، وهكذا الطحاوي (¬2) فإنه كان إماما في مذهب الرجل(¬3) وكلهم جاهد في ضبط المذهب، وتقرير قواعده وتفريع مذهبه على حد ما يفهمون من آرائه وشيمه وأخلاقه، وعلى فهم مذهب صاحبهم في الأصول. فيكون ذلك مفرعا عليه كما تراه في تصرفاتهم الفقهية.
وأما أصحاب الشافعي المتقدمون كالبويطي (¬4) وحرملة (¬5) والحسين الكرابيسي (¬6) والمزني (¬7) وغيرهم ممن عاصره فإنهم إما مخرجون(¬8) على نصوصه مع كثرتها وانتشارها، أو يستنبطون مسائل لم ينص عليها في أصوله المقررة، ومسائله المدونة عندهم. وهكذا القول في المتأخرين من أصحابه كأبي بكر بن الحداد (¬9) وابن الصباغ (¬10) صاحب (الشامل) وأهل العراق أيضا، فما من واحد من هؤلاء إلا وقد خرج على مذهبه، وألحق بالمسائل المنصوصة في (الأم)(¬11) أكثر منها، وما يزالون في الأعصار الخالية والآماد المتمادية مخرجين على نصوصه لا يصرفهم عن ذلك صارف. وأصحابه أدق الفقهاء نظرا، وأكثرهم خوضا، وأحكمهم في تقرير القواعد وتحرير الضوابط.
وأما أصحاب مالك فأول من صنف في الحديث مالك؛ فإنه وضع (الموطأ)(¬12) وقرأ عليه وسمعه الناس، وقد عني أصحابه بمذهبه أشد العناية، وخرجوا وأصلوا وفصلوا وأكثر أهل المغرب على اتباع مذهبه؛ وكان مستوطنا المدينة ولكنه شاع مذهبه في ناحية المغرب، وولع حذاق المغاربة به، ولهم تصانيف في الأصول والفروع كلها على رأي مالك.
فحصل من مجموع ما ذكرناه هاهنا، أن الأمة مجمعة على القول بالتخريج وعلى جوازه وحسنه، وفي هذا دلالة على كونه معمولا به على رأي كل ذي مذهب من المذاهب كما أشرنا إليه، وإذا كان الأمر كما قلناه، كان صحيحا وكيف لا؟ وقد قال صاحب الشريعة (صلوات الله عليه): (( ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن)). فهذه دلالة تقرر ما ادعيناه من صحة القول بالتخريج والعمل عليه. لا يقال: فإذا خرج بعض أصحابه ذلك الإمام على مذهبه وخرج آخر ما يخالفه، فعلى أي التخريجين يكون عمل العامي الذي يقلده، وما يكون حكم الفتوى على رأيه، والحال ما ذكرناه؟
صفحه ۱۶۳