انتصار بر علمای شهرها
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
ژانرها
فإذا تقرر أن الحكم المرجع به إلى ما ذكرناه، فالذي عليه أئمة الزيدية والجماهير من المعتزلة البصرية والبغدادية، أن هذه الأحكام منقسمة إلى ما يستقل العقل بدركه، وإلى ما لا يستقل العقل بدركه.
فالذي يستقل به العقل ينقسم أيضا إلى ما يكون معلوما بالضرورة، فلا يفتقر إلى نظر وتفكر، وهذا هو نحو قبح الظلم والعبث، ونحو وجوب شكر المنعم وحسن الإنصاف، وغير ذلك من الأحكام التي تعلم ضرورة من جهة العقل.
وإلى: ما يكون معلوما بنظر العقل وتفكره، وهذا نحو قبح الكذب النافع، وحسن الصدق الضار، فإن ما هذا حاله يحتاج إلى تأمل وفكر، فإن هذا الكذب يكون قبيحا مع كونه نافعا؛ لأن الوجه في قبحه كونه كذبا، سواء كان معه نفع أو لم يكن، وهكذا القول في حسن الصدق الضار، فإن الوجه في حسنه ليس إلا كونه صدقا، سواء كان ضارا، أو لم يكن ضارا. فلا بد من تقرير البرهان على ما ذكرناه من حسن هذا وقبح ذاك، والرد لهما إلى الأصل في قبح أحدهما وحسن الآخر.
وأما الذي لا يستقل العقل بدركه: فهو سائر المقبحات والمحسنات الشرعية، فقبح الزنا والربا وشرب المسكر قبيح من جهة الشرع لا مجال للعقل فيه بحال، وحسن الصلاة والصوم والحج معلوم من الشرع لا تصرف للعقل فيه، ولا له هداية إليه، بل هو تحكم جامد للشرع لا يهتدي العقل إلى تفاصيل هذه المحسنات والمقبحات الشرعية.
والذي عليه محققو الأشعرية وجميع فرق المجبرة(¬1): أن الأحكام كلها شرعية، وأنه لا مجال للعقل في تقريرها وإثباتها، لا بضرورته ولا بنظره، وإنما مستندها الأدلة الخطابية، والأمور النقلية قطعيها وظنيها، وزعموا أنه لا حكم للعقل أصلا، وإنما التصرف كله للشرع.
والمختار عندنا: ما عول عليه أصحابنا والمعتزلة.
صفحه ۱۳۳