17

واصل دوبريه كلامه: «كنت أبحث عنك. ألا تعرف أي ... أي صيدلية مفتوحة في هذه الساعة المتأخرة؟ لدي ألم حاد في أسناني يمنعني النوم، وأريد أن أشتري شيئا يسكنه.»

رد الشرطي: «أوه، الصيدلية التي عند المنعطف تظل مفتوحة طوال الليل. اقرع الجرس الموجود على اليمين.»

قال دوبريه: «يؤسفني أن أزعجهم لسبب تافه كهذا.»

رد الشرطي متفلسفا: «هذا هو ما خلقوا لأجله.»

قال دوبريه: «هل تمانع في الوقوف عند الباب الآخر حتى أعود؟ سأعود بأقصى سرعة. لا أريد أن أترك الباب مفتوحا بلا حماية، ولا أريد غلقه لأن القائم على المبنى يظنني في الداخل، ويخشى فتح الباب لأي شخص يقرع الجرس في وقت متأخر. أنت تعرفني بالطبع؛ رقم غرفتي هو 16.»

رد الشرطي: «نعم، تذكرتك الآن، على الرغم من أني لم أعرفك في أول الأمر. سأقف عند الباب حتى تعود.»

ذهب دوبريه إلى الصيدلية عند المنعطف واشترى قنينة من قطرات تسكين ألم الأسنان من الشاب الناعس الذي كان خلف المنضدة. أيقظه وطلب منه توضيح كيفية استخدام العلاج. ثم عاد وشكر الشرطي وصعد إلى غرفته. وبعد ذلك بلحظات كان السلك قد قص من عند النافذة وسحب إلى الداخل في هدوء.

جلس دوبريه يلتقط أنفاسه لعدة لحظات.

وخاطب نفسه: «يا لك من أحمق! خطأ آخر كهذا أو خطآن يكفيان للقضاء عليك. هذه نتيجة تركيز التفكير كله على جزء واحد من المهمة. لو كان السلك قد انخفض قدمين إضافيتين للامس أنفه. أنا متأكد أنه لم يره؛ فأنا نفسي لم أكد أراه وأنا أبحث عنه. من الجيد أني ألهمت أن أطلب منه حراسة الباب الجانبي. لكن علي فيما بعد أن أفكر جيدا في كل خطوة قبل تنفيذها. كان هذا درسا قيما.»

ومع مواصلته للتجهيزات هاله عدد الأشياء التي عليه أن يفكر فيها لتنفيذ خطته التي بدت له بسيطة، وأدرك أن إغفال أي منها قد يهدد المهمة بالكامل بالفشل. كانت خطته بسيطة جدا. كل ما كان عليه فعله هو ربط عبوة ديناميت في طرف سلك طوله مناسب، ثم، ليلا وقبل أن يفتح المقهى أبوابه، إلقاؤها من نافذته بحيث تدخل العبوة من الباب المفتوح وترتطم بسقف المقهى وتنفجر. فكر في بداية الأمر أن يمسك طرف السلك بيده من النافذة المفتوحة، ولكنه عندما أنعم التفكير أدرك أنه إذا حدث في خضم الارتباك الطبيعي لحظة التنفيذ أن سحب السلك أكثر من اللازم أو مال به إلى الأمام أكثر من اللازم، فقد تصطدم العبوة بواجهة المبنى فوق باب المقهى، أو بالرصيف. لذا ثبت مسمارا متينا في عتبة النافذة وربط به طرف السلك. كان قد جعل العبوة المتفجرة حساسة للصدمات لدرجة كبيرة حتى أدرك أنه إذا ربط السلك حولها وألقاها في ظلمة الليل فقد تنفجر عند شد السلك بعنف، أي أن يحدث الانفجار في الهواء فوق الشارع. لذا، ثبت زنبركا لولبيا بين العبوة والسلك ليمتص الصدمة الناتجة عن اندفاع العبوة عندما يشتد السلك وبهذا يمنع انفجارها قبل الأوان. رأى أن أصعب ما في المهمة هو اعتماد كل جزء فيها على ثبات أعصابه هو ودقة توجيهه في اللحظة الحاسمة، وأن أبسط خطأ في الحساب قد يسبب انحراف العبوة إلى اليمين أو اليسار وعدم دخولها من الباب. لم تكن لديه إلا فرصة واحدة، ولا مجال للتدريب قبل التنفيذ. ومع ذلك، قال دوبريه المتفلسف في نفسه بأن الناس لو سمحوا للتفاصيل الفنية الصغيرة بإعاقة مساعيهم، لما تحقق في هذا العالم شيء يستحق العناء. كان متيقنا بأنه سيرتكب خطأ ما صغيرا يفسد كل خططه، لكنه قرر أن يبذل قصارى جهده ويقبل النتائج وأن يتمالك نفسه بقدر المستطاع.

صفحه نامشخص