انتکاس مسلمانان به بتپرستی: تشخیص پیش از اصلاح
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
ژانرها
حوار مفتوح، مع أبي الفتوح
في حوار هام، بل خطير، مع القطب الإخواني الأشهر الأستاذ عبد المنعم أبو الفتوح، منشور على موقع الإخوان وإسلام أون لاين ومواقع إسلامية أخرى عديدة، قدم الأستاذ أبو الفتوح تعريفه لمصطلح الدولة الإسلامية، واعتبر أن دولا مثل مصر أو الأردن هي دول إسلامية بالفعل، فهل قرر الإخوان التخلي عن فكرة الاستيلاء على الحكم لإقامة دولة إسلامية؟ ثم إنه يقول في هذا الحوار إن الإخوان مع دولة مدنية لا دولة دينية، وإن من يحكم في هذه الدولة متخصصون مدنيون، فماذا تبقى إذن من الإخوان؟ نحاول هنا أن نعيد قراءة ما قال أبو الفتوح عسانا نعثر عند الإخوان على موقف واضح غير ملتبس من موضوع الدولة المدنية أو الدينية، فيما استجد على فكرهم هذه الأيام.
يقدم أبو الفتوح في البداية تعريفه وفهمه لمصطلح الدولة الإسلامية بأنها؛ هي التي تعيش فيها أغلبية مسلمة، وعملا بالمبدأ المنحاز للأغلبية فإنها تكون دولة مسلمة وديمقراطية في آن واحد. وهو تعريف إضافة لكونه غير دقيق، بل وغير صحيح بالمرة كما سنرى الآن؛ فإنه يشير إلى أن الإخوان مع ارتباكهم أمام الانفتاح على العالم، بعد حضور هذا العالم إلى بلادنا بعد سبتمبر 2001م، لم يعودوا بقادرين حتى على تحديد مفاهيمهم الخاصة بهم بشكل واضح، فقد اعتادوا الخطابة في زمن ما قبل 2001م، واعتاد الناس أن يسمعوا تلك الخطب وما فيها من مفاهيم ومصطلحات؛ مثل: الأمة، والمجتمع المسلم ، والدولة الإسلامية، وديار الإسلام، دون تحديد واضح دقيق لمثل هذه المفاهيم التي أزعم أنها جميعا بلا دلالات حقيقية أو واقعية وأنها كلام واهم، ووهم كلام ، بلا معنى ولا دلالة واحدة سليمة. ونموذجا لذلك ما يلقيه علينا هنا الأستاذ عبد المنعم أبو الفتوح، الذي قرر أن يقدم الإخوان للعالم عبر مفاهيم واصطلاحات جديدة تتفق والوجه المطلوب للعالم الجديد.
لنبدأ بتعريفه للدولة الإسلامية بتلك التي تسكنها أغلبية مسلمة؛ وهو ما يعني أن دولة عمر بن الخطاب أو دولة الأمويين لم تكن دولة إسلامية؛ لأنها حسب تعريفه معظم سكانها لم يكونوا مسلمين، ولم يحكم العرب المسلمون هذه الدولة إذن بالمبدأ الديمقراطي «الأغلبية» الذي يأخذ به أبو الفتوح اليوم وينسبه إلى الدولة الإسلامية؛ لأن الحاكمين كانوا هم الأقلية بل كانوا أقلية الأقلية، ولم يحكموا بحكم الأغلبية بل بحكم الغلبة والقوة المسلحة الغاشمة.
إن تعريفاتهم تتغير بحثا عن قناع جديد يناسب المستحدثات العالمية، ولأنها يتم تفصيلها فإنها عادة ما تأتي غير علمية وزئبقية وملتوية كالحرباء. لقد كان تعريف الدولة المسلمة زمن الخلافة الراشدة هي الدولة التي يحتلها المسلمون لأنهم كانوا لا يعرفون لأنفسهم دولة. ولأنهم لو أخذوا بتعريف أبي الفتوح وبمبدأ الأغلبية الديمقراطي لكانت دولة أبي بكر غير مسلمة؛ لأن ثلاثة أرباعها كانوا مرتدين، ودولة عمر، وعثمان، وعلي، التي ضمت الشام والعراق ومصر كانت غير مسلمة بدورها لأن غير المسلمين كانوا هم أغلبية السكان الساحقة، والأمر ببساطة هو أن مفهوم الأغلبية والأقلية كمفهوم سياسي حديث لم يكن معلوما ولا مفهوما للمسلمين، لا في دولتهم البدائية الأولى بالحجاز، ولا بعد تشكيل الإمبراطورية الإسلامية. ولم يحكم هذه الإمبراطورية سوى السادة العرب، ثم من بعدهم الترك العثمانيون بحكم قدسية الخلافة المستبدة بالعنصر والدين وحدهما، لا بالأغلبية ولا بالأقلية، فهذا نظام لا يعرفه الإسلام فهو نظام غير إسلامي، فما لأبي الفتوح ومصطلحات قانون الغرب الذي يطلق عليه المتأسلمون إخوانا وإرهابا اسم: الطاغوت؟
هذا وجه من وجوه الإخوان، وهناك وجوه أخرى، وكل له دور مقسوم يقوم به؛ فالمرجع الفقهي للإخوان وبقية الجماعات الشيخ قرضاوي، ولأنه ليس شريكا فعليا في العمل السياسي المباشر والحركي، أو هو يزعم ذلك، تفرغا منه كمرجع فقهي للجميع. فإنه يملك مساحة أوسع للمناورة وللقول الأصرح؛ فهو يصر على تعريف الدولة الإسلامية بتلك التي تحكم بشرع الله، ولا يرى دولا مثل مصر والأردن دولا إسلامية كما رأى أخوه أبو الفتوح. أبو الفتوح يناور وقرضاوي يعلن منفيستو واضح المعالم يقول: «إن إقامة الدولة المسلمة التي تحكم بشريعة الله وتجمع المسلمين على الإسلام وتوحدهم تحت رايته، فريضة على الأمة الإسلامية، وعلى الدعاة إلى الإسلام أن يعملوا بكل ما يستطيعون للوصول إليها ويهيئوا الرأي العام المحلي والعالمي لتقبل فكرتهم وقيام دولتهم» (كتابه: الصحوة الإسلامية بين التطرف والجحود، ص222، 223). وأبو الفتوح وقرضاوي كلاهما قطب بل قرن من قرون الإخوان المسلمين. وكلاهما له أهداف سياسية، الثاني حركي، والأول تنظيري مهمته الدعاية والتوجيه المعنوي، يحض الدعاة على ترك ضمير المسلمين ودينهم الذي هو وظيفتهم الحقيقية، للانخراط في العمل السياسي الحركي المباشر.
لكن مشكلة مشايخنا والإخوان معا أن زادهم من العلم السياسي يعاني فقرا مدقعا كما هو شأنهم مع كل المعارف الإنسانية والعلوم المختلفة؛ لذلك عندما يتحدثون في السياسة تسمع منهم عجبا. كما سمعنا من هنيهات تعريف أبي الفتوح للدولة المسلمة بأنها ذات الأغلبية المسلمة حسب المبدأ الديمقراطي، خالطا بين زمن وزمن أتى بعده بأربعة عشر قرنا، مستخدما المصطلحات المعاصرة كالديمقراطية مع دولة بدائية عتيقة، خالطا بين معنى الشعب ومعنى الدولة؛ فالدولة مجموع مؤسسات وهيئات وظيفية، بينما الشعب المصري مثلا غالبيته من المسلمين حقا، لكن دولته تقوم على المؤسسات والهيئات، وليست مسلمة ولا مسيحية، منذ فجر تاريخ البشرية على الأرض وهي دولة يعيش عليها شعب مصري تتغير دياناته، ومعتقداته، وثقافاته، وتتعدد روافده، ويظل مصريا في دولة مصرية.
ولو لزم القول بأن مصر دولة إسلامية للزم التوضيح هل هي شيعية أم سنية، وهابية أم حنفية أم إخوانجية أم طالبانية؟ بينما تظل الدولة المصرية مصرية حتى لو سكنها الجان من أي ملة أو عنصر. ولو كانت الدولة ضمن اهتمامات الدين الإسلامي، ولو كان السلف الصالح على قناعة بدولة إسلام، لقاموا هم بتعريف هذه الدولة المسلمة وأجابوا هم عن السؤال، وهم لم يقولوا في ذلك شيئا، وهم الأعلون، فهل من حق الإخوان أن يقولوا؟ ثم ما حكاية: «إسلامية بالأغلبية» حسب المبدأ الديمقراطي؟ فمتى آمن الإخوان بالديمقراطية؟ ومن أين حصلوا عليها؟ وهي غير موجودة في إسلامنا ولم يعرفها سلفنا الصالح ولا نبينا؛ لأنها لو كانت موجودة لكانت دولة الخلافة دولة غير إسلامية بحكم الأغلبية. إن سلفية الديمقراطية لا تعود إلى الحجاز وإنما تعود إلى أثينا وروما قبل ظهور الإسلام بقرون طوال تصل إلى الألف عام، ولم تعرفها بلاد الحجاز من يومها حتى يومنا هذا!
في نظام الحكم الإسلامي ليس هناك شيء اسمه الديمقراطية، لا يعرف أغلبية وأقلية؛ لأنه لا يوجد شيء اسمه رأي الرعية، بدليل أن الأقلية العربية هي التي كانت تحكم بمشاركة الفقهاء فقط ولا وجود للرعية. الخليفة عثمان كان يتصرف دون أن يأخذ رأي أغلبية أو أقلية. وقتله بعض المسلمين من خيار الصحابة وأبناء الصحابة دون أن يأخذوا رأي أغلبية ولا أقلية ودون أن تخرجهم جريمة قتل الإمام من الملة، فهذا القتال هو الوحيد في تاريخ المسلمين الذي لا يأثم فيه المسلم إن قتل مسلما من أجل الجاه أو السلطان، أو المال. وكان القتلة رعية عربا مسلمين يقومون بمهمة نشر الإسلام في مصر، فلما علموا أن هناك أموالا تؤخذ ومناصب توزع، تركوا مهمتهم السامية وعادوا إلى يثرب يطالبون بنصيبهم حتى قتلوا خليفتهم، فهل هذه هي الديمقراطية وتلك هي الدولة التي يقصدها أبو الفتوح؟ أم تراه يرى دولته أكثر إسلاما وأقل عيوبا من دولة الراشدين؟
لو كان هناك رأي لأغلبية لأخذ أبو بكر وهو خليفة برأي الصحابة وعلى رأسهم عمر بعدم قتال مانعي الزكاة، ولما أنفذ رأيه المتفرد أعلن عليهم الحرب على عدم رغبة الأغلبية من كبار الصحابة.
صفحه نامشخص