انتکاس مسلمانان به بتپرستی: تشخیص پیش از اصلاح
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
ژانرها
صلى الله عليه وسلم
ولأنه كان يخاطب ناس زمانه على قدر عقولهم، كان ينصح شاعره حسان بن ثابت قبل أن يقدم على هجاء الناس، أن يلجأ إلى أبي بكر الصديق لأنه عالم بأنساب الناس، ليعلم أين يخوض ويتحرى وأين يحاذر، ولا تجد أي صدى لحديث: لا فضل لعربي على أعجمي؛ لأن الفقه الذي يدرسه أبناؤنا بمصر والسعودية يؤكد على وجوب فسخ زواج الحرة المسلمة بالعبد المسلم، وزواج العفيفة بالفاجر، والعربية بالأعجمي؛ لأن ذلك عار يلحق المسلمين جميعا (روض المربع بشرح زاد المستنقع، ص384).
لهذا فإن تفضيل الإسلام بجعله سابقا لكشف القيم يسيء إليه، والأكرم أن نقول إن تلك كانت طرائق زمنه وطرائق العيش فيه ونظمه المجتمعية القبلية، وإنها لا تشينه، فلا هي جميلة ولا هي قبيحة بقدر ما تعبر عن واقع مجتمعها حينذاك وأنها كانت تناسب هذا المجتمع تحديدا، وإن صلحت له فهي مما لا يصلح بالمرة لزماننا. ومثل المساواة أيضا مفهوم الحرية الذي لا يوجد في ديننا بالمرة وبالمطلق، ولا في مجال لأي حديث عن الحرية مع تشريعات تشرع الرق ونكاح ملك اليمين. ولو قلنا إن تلك التراتبية الطبقية الموغلة في طبقتيها هي المعيار القيمي الإلهي؛ فهو ما يعني أنها كانت أدنى بدرجات من المعيار الإنساني الذي اكتشفته دول حضارات المتوسط، وبخاصة اليونان والروم الذين سبقوا إلى تأسيس القيم الإكسيولوجية في التاريخ، ثم أدنى من قيم زماننا بمراحل أبعد؛ ومن ثم لا يبقى بيدنا سوى نسبة مثل هذه المفاهيم لزمانها بدلالات زمانها، ودون إقحامها في زماننا حتى لا نهين الدين ونضل السبيل نحو الرشاد.
وإذا كانت القيم دينية إلهية، فهل كانت قابلة للنسخ كأوامر بآيات ناسخة؟ يعني هل تم نسخ قيم التسامح في الزمن المكي، بقيم القتال في الزمن المدني، بعد أن نسخت آيات السيف كل آيات حرية الاعتقاد والتسامح حسبما تقول لنا علوم القرآن؟
إذن صيانة للدين من عبث مشايخ آخر الزمان، علينا أن نقدم اعترافا هادئا متواضعا، أن ديننا ليس هو كمال الأزمنة والأمكنة التي ذهبت والتي لم تأت بعد، إنما كان دينا عاقلا رصينا متوافقا مع ظرفه التاريخي، يخاطب ناس زمنه على قدر عقولهم وعاداتهم وتقاليدهم ونظمهم ومعارفهم، وأن نسلم بأن الإنسان هو الوحيد المخير بين المخلوقات؛ لذلك هو الوحيد المؤهل لصيانة القيم؛ لأنها معياره للاختيار والمفاضلة ووسيلته وأداته، أن يختار القراءة في المصحف أو أن يختار مشاهدة هيفاء وهبي تتغنج، وقيم الإنسان هي التي توجهه لاختيار أحدهما: زيارة الحسين أو زيارة الملاهي الليلية، والحرية هي الأساس الوحيد لقيام إرادة الاختيار ما بين الماء والخمر، من هنا وحتى نقول بوجود قيم حقيقية لا أوامر مفروضة، يجب أن يكون الخمر والماء في السوق، عندها يمكن القول إننا أصحاب قيم عندما نختار، وحيث لا توجد سوى سلعة واحدة، ولا توجد حرية اختيار، لا يصح الحديث عن قيم؛ لأن المجتمع حينها يصبح كالحشرات وهي كائنات اجتماعية تسلك بموجب جبر طبيعي لذلك ليس لديها شيء اسمه القيم، رغم أن النحل ينتج عسلا والعقرب ينتج سما، فإن الإنسان هو الوحيد القادر على الفرز بينهما، لذلك نجد الإنسان المجبر على أداء سلوك بعينه هو مجرد حشرة أو هو ليس أكثر من حصان بلجام. والحصان لا يملك قيما، ومع اللجام لا يملك تصرفه ولا قراره. القيمة تكون عند الممسك باللجام، الذي يوجه الحصان. ألا ترون جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تسوق الناس إلى الصلاة بالعصا؟ يسوقونهم إلى المسجد كمن يسوق الخراف إلى الزريبة، بينما الملائكة مسيرة للتعبد وحده وغير مخيرة في فعلها ونحن لسنا بملائكة، وعندما تكون القيم مفروضة لا نكون قد أصبحنا ملائكة، ولا نكون بقينا بشرا، إنما أصبحنا حيوانات للراعي، وأدنى بالنسبة له من العبد بالنسبة للسيد، فلماذا لا يستشعر السيادة ويقرعنا بالعصا؟
عند تمييز الإنسان عن الحيوان وضع الفلاسفة تعريفات للإنسان، فقيل في المبتدأ إن الإنسان حيوان ناطق، حتى اكتشف الإنسان أن لبعض الحيوانات لغات خاصة للتفاهم فيما بينها، فقيل إن الإنسان حيوان عاقل أي يستخدم عقله في الفهم والمعرفة، حتى تأكد أن العقل قسمة بين الحيوانات؛ ومن ثم جاءت الفلسفة الماركسية لتعرف الإنسان بأنه حيوان صانع؛ لأنه الوحيد بين الحيوانات الذي يستطيع أن يصنع شيئا لم يكن موجودا من قبل، حتى قيل اليوم إن الإنسان حيوان قيمي؛ فهو والحيوان يشتركان في كل التفاصيل الفسيولوجية، لكن الإنسان من بين كل المخلوقات هو الذي يتميز بأنه يصنع لنفسه ولمجتمعه قيما، ويصنع لهذه القيم قوانين تحميها فيتنازل بإرادته عن إشباع بعض رغباته مقابل العيش في الجماعة آمنا.
فالحرية لا مناص عنها عندما نتحدث عن القيم؛ لأن الحرية هي ما يتيح لي القدرة على التقييم والمعايرة والمفاضلة والاختيار، وحيث لا توجد حريات، لا توجد قيم.
والقيم الأخلاقية بالتحديد وبالتخصيص هي سلوك غيري، يضع الغير نصب عينيه عند أي سلوك، وعادة ما تكون في صالح الغير ولا تنفع فاعلها وعادة ما تضره، ورغم ذلك يفعلها الإنسان لذاتها دون أن يتوقع منها نفعا شخصيا. فعندما يكون التاجر أمينا وصادقا فهو يخسر أرباحا أكثر لو التوى وكذب ، والتزام الزوج بالوفاء للزوجة يحرمه من متع متنوعة، وعندما يحسن الإنسان بماله وجهده للفقراء؛ فهو يخسر أمواله، والامتناع عن السرقة هو حرمان من المال المفترض أن يسرق، بينما الزوجة التي لا تخون زوجها خوف القتل أو الطلاق أو الجحيم هي لا تملك أية قيم، هي خائفة ليس أكثر، واللص الذي لا يستطيع أن يسرق في السعودية لم يصبح شريفا وليس صاحب قيمة أخلاقية، بقدر ما هو خائف من قطع يده. والذي يحسن للناس علانية ليس لديه قيمة أخلاقية لأنه مجرد منافق، والأم التي ترعى ولدها كي يطيعها ويرعاها في كبرها هي مجرد مرابية تداين ولدها بدين تريد استرداده.
هذا بينما الفعل المندرج تحت معنى القيم غالبا ما يرتد على صاحبه، وهو ما وعاه المثل العامي المصري: «خيرا تعمل، شرا تلقى»، لكنه هو نفسه ورغم علمه بذلك الذي قال: «إعمل الخير وارمه البحر»؛ لأن الالتزام بقيم الأخلاق يعود على المجتمع كله بالأمن والسلام والسعادة (النماذج المضروبة في الفقرة السابقة لكاتب مجهول على النت).
وإذا كان فقهاء زماننا يطلبون لنا عادات وتقاليد زمن الإسلام الأول، فإن ذلك يستلزم أولا وجود الحكومة الإسلامية الأولى أو شبيهها، وثانيها وجود مجتمع القرن السابع الميلادي بنظمه وعاداته وتقاليده وبدائيته، وكله غير موجود اليوم، ومن ثم فإن أحكامه وعاداته وتقاليده لم تعد موجودة، ولا شك أن قيم مجتمع يركب الدواب لا بد أن تختلف عن مجتمع يركب سيارة كاديلاك أو غيرها من أحدث الطرز، وقائد الطائرة الذي يتعامل مع الطائرة معاملة البقرة المقرونة (المربوطة من قرونها) بدعائه في الميكروفون عند الإقلاع: «الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون»؛ أي ما كنا بقادرين على تلجيمها وإمساكها من قرونها دون تسخيرها لنا من قبل ربنا، (إن المشكلة النفسية أنك تتابع بهلع أخطر لحظة للطيران، ويقول لنا الطيار: إنا لمنقلبون!) مع إن المصري في مثله الشعبي يقول: (الملافظ سعد)، طيارنا عندما يقول هذا يكون كالعربجي يقود طائرة، وعليه فإن طيارينا لا يطيرون بنا بثقافة الطائرة (الحضارة والعلم)، إنما بثقافة العربجي؛ لذلك أنا شخصيا لا أحجز للسفر على أي شركة طيران عربية، ويا روح ما بعدك روح!
صفحه نامشخص