انتکاس مسلمانان به بتپرستی: تشخیص پیش از اصلاح
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
ژانرها
ولو طبقنا هذا التعريف على كلام فقهائنا سنجده يتحدث عن قيم زائفة خداعية تبدو لنا حقائق، فيكون لبول البعير قيمة مقدسة رغم قذارته وضرره الأكيد، ويكون إرهاب الآمنين وترويعهم عملا شريفا بل وقمة من قمم نبال الفعال بالاستشهاد لأن هذا ما يتطلبه الخير الإلهي؛ ومن ثم تظهر القيم التي ينسبونها إلى الدين مشوشة على العقل البشري، لسبب بسيط هو أن قواعد الدين غير قابلة للنقاش أخذا وعطاء ونفيا وإثباتا بالعقل البشري؛ لذلك تؤدي بصاحبها إن حاول إلباسها غير ما فيها إلى أحكام خاطئة تقوم على مسلمات خاطئة، فتؤدي إلى نتائج كارثية لا علاقة لها بأي قيم. وللتوضيح بالمثال، فإن طقس الذبح في الحج هو قربان للإله، بينما هو في نظر القيم الإنسانية إهدار بلا ثمن لثروة حيوانية هائلة، وعملية وحشية بلا معنى تجز ملايين الخراف دون أي عائد سوى تركها لتتعفن، وظل أمرها طويلا محل أخذ ورد حتى أمكن التصريح بتعليبها وتصنيعها. ناهيك عن رجم إبليس الحجري وتقبيل حجر نيزكي وتقديسه والطواف حول بناء حجري، كلها طقوس دينية يقبلها المؤمن ويسلم ويطيع، لا مجال فيها لمناقشة أو حوار، لذلك يجب ترك الدين دينا، وعدم خلطه لا بعلم ولا بفلسفة؛ فهو غير قابل للمناقشة وخلطه بغيره يصيب العقل بالاضطراب، ويصيب الواقع بالكوارث، ويصيب الدين بما لا نحب ولا نشتهى.
أضف إلى ذلك لا بد أن يتبادر إلى الذهن السؤال حول قيم مثل سبي الجواري ونكاحهن في أرض المعركة كما حدث في غزوات النبي وبخاصة في خيبر، حيث فشا إتيان الحبالى بجوار الأب أو الزوج المذبوح، حتى نهى النبي عن وطء الحبالى، وحتى نهر بلال بن رباح وهو ينكح إحداهن إلى جوار أهلها القتلى، في عمليات هتك عرض جماعي علني للسبايا، وتحويل الأسرى في حروب الفتوحات من أحرار إلى عبيد يباعون في الأسواق، وكذلك مسألة ملك اليمين والجواري، وكذلك مصادرة ممتلكات الشعوب في نظام الفيء الإسلامي، كلها دين نسمع له ونطيع، لا نلتمس له تبريرا، ولا تجميلا؛ فهو ديننا الذي نؤمن به كما هو دون شعور بخجل أو عار، ونحبه دون حاجة لمبررات؛ لأن قيم زمانه لا علاقة لها بما نفهمه اليوم عن القيم.
لذلك تؤكد الدكتورة دياب: «إن القيمة مسألة إنسانية وشخصية وليست شيئا مجردا مستقلا بذاته عن السلوك الشخصي، بل هي متغلغلة فيه لأنها تنبع من نفسه ومن رغباته لا من الشيء الخارجي؛ فالأشياء من وجهة النظر الطبيعية التجريبية حيادية؛ أي ليست في ذاتها قبيحة أو جميلة إنما هذه أحكام نصدرها عليها، هي القيم المنبثقة عن اهتمامنا» (الصفحة نفسها).
إذن فالقيم كما يتحدث عنها الفلاسفة والمفكرون وعلماء النفس والاجتماع هي شيء لا علاقة له بدين من الأديان من قريب أو بعيد وليس أدل على ما أقول هنا، أن السلف الصالح والدين نفسه لم يبحثا موضوعها كما يفعل فقهاء زماننا اليوم.
وإذا كنا كمسلمين نعتقد أن ديننا قد ولد كاملا غير منقوص ولا يعاني قصورا لأنه يمثل قدرة صاحبه الكامل ، فإن ما يفعله فقهاء المسلمين المعاصرين من محاولات ربطه بكل كشف وكل حدث وكل علم وبكل فلسفة، يعني أنهم يشعرون مع كل جديد بنقص في دينهم لم يتوافر فيه هذا الجديد، فيقومون بمحاولة استكمال هذا النقص بالإضافة إليه والزيادة فيه، وهذا هو تعريف البدعة المكروهة في الإسلام. فالدين لا حاجة به لبشر يستكملونه لأنه قد ولد كاملا، إما أن نؤمن به بكليته دينا وإما لا نؤمن، لكن لا ندلس ولا نكذب كما يفعلون وهم المتحدثون باسمه، كذلك الدين ليس من صنع جيل من البشر، حتى يحق للأجيال التالية التعديل فيه بالإضافات المتكاثرة مع كل محدث.
هذا، ناهيك عن كون الدين الإسلامي لم ينتقد القيم الإنسانية الوضعية «الإكسيولوجية» بأي من أصوله قرآنا أم سنة ولم يندد بها، رغم وجود هذه القيم قبل ظهور الإسلام بقرون متطاولة عند فلاسفة اليونان، وقد سكت عنها الإسلام وعن ذكرها وعن انتقادها إيجابا أو سلبا؛ لأن الله كان عالما بطبيعة مجتمع الرسالة الخاتمة، وعجزه عن استيعاب موضوع القيم، وترك لأجيال المسلمين اللاحقة حين تكتمل نضجا ورقيا لتدرك القيم وتسعى إليها، وهو ما فعلته في التاريخ الإسلامي عن جدارة، الدولة العباسية حتى زمن الرشيد والمأمون. ولا تعلم لماذا كل هذا الجهد من دكاترة الأزهر والأوقاف في تدبيج كتب الكراهية ومهاجمة ما لم يهاجمه الله ورسوله، ويعيبون ما كان سببا في نهضة عباسية؛ وهي نقطة الضوء الوحيدة في تاريخنا المخيف.
وليس الإسلام وحده هو ما ننكر صلته بأي قيم بمعناها الدقيق، بل ننكرها على كل الأديان، فبينما القيم لازمة وضرورية لحياتنا العملية الدنيوية، فإن تعاليم الأديان تهمش الدنيا وتحقرها كمادة فانية، وما وجدت الدنيا إلا لتكون معبرا نبتلى فيه ونمتحن، فإن الدنيا ليست سوى مصيدة تصطاد منها جهنم فرائسها، وعلى المؤمن التقي أن يستثمر وجوده في هذه الدنيا ليستزيد من العبادة وأداء الطقوس والفروض والشعائر والبكاء والزهد والتهجد والانقطاع بحيث لا يقيم لها وزنا؛ لأنها في النهاية دنيا فانية زائلة لا أمل يرجى منها، وما المؤمن إلا عابر سبيل فيها نحو الأبدية.
هذا بينما فلسفة القيم تقوم أساسا على حب الحياة الدنيا واحترامها والعمل على صلاح هذه الحياة وصيانتها؛ لأنها محل ممكنات فعلنا وقدراتنا؛ فالحياة الأخرى الأبدية لا دخل لنا فيها ولا ممكنات لدينا لتغييرها، فلسفة القيم تتوج الاجتماع البشري بإرساء مفاهيم كالحريات بألوانها والكرامة والمساواة والمحبة بين الناس، ورفع الظلم وإحقاق الحق وعشق الجمال وصنعه وإبداعه فنونا ترقى بالحس والروح، ووضع القوانين اللازمة لحماية هذه القيم من التعدي عليها أو كسرها بما يتماشى ومصلحة المجتمع لا مصلحة الدين ولا مصلحة أي إله كان.
والحقيقة الواضحة أن الدين لا يعطي قيما لأنه لو أعطاها فستكون صارمة ثابتة، ولأن الله يعلم كما يعلم البشر أن للقيم درجات غير ثابتة ونسبية؛ لذلك لم يعطنا الله قيما دينية لأن الدين مجموعة أوامر وإملاءات. والدين نفسه يوظف حكاية إبليس توظيفا يؤدي إلى نتيجة مفادها: «أن الأوامر والإملاءات هي السبب الأول في ظهور الشر»، فحسب القصة الإسلامية نجد أنه قبل خلق آدم كانت الملائكة، وهي مصممة للتعبد والطاعة فقط؛ لذلك فعلها كله كان خيرا، ولم يعرف الكون الشر حتى ظهر آدم، وكان أول شر هو ما ارتكبه إبليس، ومصدره (أمر وإملاء) من الخالق ليسجد إبليس لآدم، وهو ما انتقص من تصميم إبليس وتركيبه الخلقي، فداخل هذا التصميم مبدأ ثابت وهو ألا يسجد لغير الله، فأطاع تكوينه وخلقته التي هي بمعنى من المعاني مساحة حريته؛ ومن ثم كان الأمر انتقاصا من هذه الحرية وأمره الله بالسجود لمخلوقه بعكس الكتالوغ الموجود الذي يعتقد أنه هو كل الحرية؛ فالعبودية لله هي الحرية ذاتها لأنه لن يسجد لسواه، فكان أن رفض السجود، وكان الشر الأول في تاريخ العالم. كان رفض إبليس السجود لغير الله هو أول الشرور؛ لأنه مارس حريته المتفقة مع خلقته في عدم السجود لغير الله، واختار ضد الأمر والفرض والإملاء، وعليه، عندما صدر الأمر الأول، جاء الشر الأول! إبليس وتمسكا منه بتوحيد الله وتنزيهه رفض السجود لغيره، خاصة وأن هذا الغير أدنى من الله مرتبة وأدنى من إبليس نفسه درجات، فعصى إبليس ربه فظهر الشر.
قصة أخرى تتضمنها الحكاية ذاتها، فمع أول أمر لآدم بعدم الأكل من ثمرة بعينها صاحبة ظهور الشر بالتمرد على الأمر؛ لأن كلا الأمرين: أحدهما أنقص من حرية إبليس ليكون حرا مختارا حتى يمكن تفعيل عقيدة الحساب يوم الدين بمسئوليته عن فعاله التي اختارها بخلقته الحرة. فحدثت أول الشرور لأن الأصل في الخلق البشري هو الحرية المطلقة غير المقيدة بقيم ثوابت رواسخ لا تقبل تبديلا على العكس تماما من حال إبليس. أي أنه على أي حال بين النقيضين فإن الأصل في الخلق هو الحرية، حرية إبليس في ألا يسجد إلا لله، وحرية آدم في الاختيار دون حد هذه الحرية، في درس رباني بليغ يشرح كيف جاء الشر بعصيان الرب من أعرف الخلق به وأقربهم إليه، من إبليس طاوس الملائكة، ومن آدم الذي خلق الله الدنيا كلها من أجله. فإن قالوا إن قيمة الخير غير قابلة للتعريف، نقول: إن الخير هو بشديد البساطة = الحرية.
صفحه نامشخص