انتکاس مسلمانان به بتپرستی: تشخیص پیش از اصلاح
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
ژانرها
يعتقد المسلمون أنهم قد امتلكوا نواصي العلم كله، وأنهم مكلفون بتعميم معارفهم على العالمين، بل فرضها على الكوكب الأرضي فرضا، ويحيلون كل النقائص إلى العالم المتقدم الذي سبقنا حقا وصدقا بما يقاس بالسنين الضوئية، ويخلطون بين كراهيتنا التاريخية لهذا الغرب، وبين مناهج هذا الغرب في التقدم وأساليبه في المعرفة وسبله للرقي والغنى والرفاه والسعادة.
والمشكلة التقنية والاعتقادية في مثل هذا الاعتقاد، هي أن المسلم (حسبما يعتقد) هو من سيسأل عن أعماله وحده في نهاية الأمر، وهو بإسناد أعماله إلى اعتقاد بكمال وتمام فقه وشريعة، هي من علم وإنتاج بشر مثلنا يصيبون ويخطئون، بعدما فارقت المبادئ الشرعية الأولى بساطتها إلى منطقة شديدة التعقيد بإضافات أهل الفقه وزياداتهم في دين الله. فبينما وضع القرآن ما لا يزيد عن سبعة قوانين «شرائع» للمجتمع، وبضع عشرات أخرى تأسيسا على الحديث، فإن المذهب الشافعي مثلا لديه ما ينوف على ستة آلاف تشريع، ومثلها في خزائن المذهب الحنفي، وتتزايد في بقية المذاهب، وهذه الآلاف من التشريعات جاءت كلها زيادة في دين الله. وإذا كانت خاصية الإسلام هي التوحيد المطلق، فمن غير المفهوم كيف يمكن للمسلم الجمع بين هذه العقيدة وبين خمس مجموعات مذهبية تتضارب وتتناقض بعضها مع بعض. إن هذا الركون لأحكام وفق رؤية فقهية أو مذهب بعينه يجعل المسلم يعرض نفسه للمساءلة والعقوبة، بل ربما للتهلكة، بل ربما إلى الانقراض من البشرية، وهي العقوبة التي لا يعفيه جهله بها منها.
هذا بينما المصري القديم، كان يعرف منذ خمسة آلاف عام أن اكتمال المعرفة نقص ومرض، انظر ما قاله على لسان بتاح حوتب: «انظر كيف يمكن أن تتعرض لمناوأة الخبراء في المجلس! إنه لمن الحمق أن تتحدث في كل ضروب المعرفة» (ول ديورانت، مقدمة موسوعة قصة الحضارة، ص ح).
واليوم نرى المصري المسلم وقد ارتكس خلفا إلى ما وراء زمن بتاح حوتب، عندما قام يفسر:
ما فرطنا في الكتاب من شيء (الأنعام: 38) بأن القرآن قد حوى علوم الأولين والآخرين فامتلك الحقيقة المطلقة، وصار بإمكانه أن يتعرض لمناوأة الخبراء في المجلس، ويظن أنه خبير يمكنه الحديث في كل ضروب المعرفة. بينما كل ما تحمله الآيات الكريمة خبر مفاده أن القرآن الكريم لم يفرط في شئون التعبد والدين من شيء، وليس التفريط في علوم الأركيولوجيا والبيولوجيا والجينولوجيا والكيمياء والرياضيات وإدارة الدول ونظم الحكم وأساليب الاقتصاد وحقوق الإنسان والديمقراطية، لأن القرآن كتاب في الدين، كتاب في الإيمان فقط، وحسبه ذلك شرفا ورفعة. وفخرا ومجدا وسؤددا أزليا أبديا.
وقد زاد المسترزقون من كهنة على حساب المواطنين من استفحال العرض وعوص هذه المشكلة، وتجذيرهم الاعتقاد في امتلاك المسلمين للمعرفة التمامية، وهؤلاء المسترزقون هم من قاموا يتاجرون بمأساة المسلمين، ليحققوا ثروات خيالية من حكاية وهمية اسمها العلم والإيمان، كلها عبارة عن شعر فخر وهجاء وأحاديث سمر عربية حول نيران القبيلة وبعيرها في الليالي القمرية، أحاديث فخر ليس أكثر؛ لأنها موجهة لنا ولا يعرفها أحد غيرنا، هي سمر رتيب ممل تفخر بربنا الذي يتم وضعه وفق هذا التصور في موقع شيخ القبيلة المسلمة (حاشاه وهو الكمال المطلق)، وهو شيخنا هذا الذي عرف كل العلوم القديمة والحديثة والمعاصرة التي اكتشفت والتي لم تكتشف بعد، قبل كل العالمين، وأعلمنا بها ووضعها لنا في كتابنا المقدس، ولا تعلم إذا كان ذلك صحيحا، فلماذا لم ينتج لنا أصحاب العلم والإيمان اكتشافا واحدا إسلاميا أصيلا من نصوص القرآن أو الحديث؟ كي نسبق به العالم ونفيد به بلادنا المعتوهة لكثرة ما تعاطت من مأثور تخديري أصابها ببلهنية بلهاء، حتى كادت تصل إلى حالة الموت التخشبي. الكارثة أن عملية التهجين للمقدس بالعلم الإنساني كرست اعتقاد المسلم أنه غنى عن معارف العالمين، وعن العلوم كلها دفعة واحدة؛ لأنه يعتقد أن بيديه أسرار الدنيا ومفاتيح الآخرة، ما ذهب منها، وما لم يأت بعد، ودون أن يجد المسلمون بعد كل تلك الأبحاث في العلم والإيمان أي شيء ذي قيمة بين أيديهم.
ولأن الإسلام وعلومه ليسا حكرا على طائفة بعينها دون المسلمين، فإن الرهاب المكرس لعدم تجاوز فقهاء الأمة، لم يوقف هؤلاء الفقهاء أنفسهم عن نقد سابقيهم ونقضهم، وهو ما تجلى في رد أبي حنيفة النعمان على هذا المبدأ الباطل: «هم رجال ونحن رجال»، فليس بين المسلمين آلهة ولا أنبياء بعد أن ختم محمد
صلى الله عليه وسلم
تواصل السماء مع الأرض؛ ومن ثم فإن أول مطلب في روشتة العلاج هو الاعتراف بالمرض، وأن التراث الإسلامي قد أصبح يحمل أوراما سرطانية وأثقالا كسحته عن مسايرة حركة التطور، وأنه يجب أن يخضع لعمليات جراحية عاجلة مع تقويم ومراجعة ونقد قاس ما أمكن، لكن بشرط التزام العلمية الصارمة دوما، مع الفحص والتعديل والإلغاء والإضافة والحذف، مدا لحبل حكمة النسخ في الوحي - وهي حكمة التدرج في الأحكام - إلى مداها الطبيعي، وهو التدرج الذي يقوم على مقاصد الشرع الكلية.
ولو صح أن اجتهاد فقهاء السنة الأربعة، وبقية المذاهب بما فيها الجعفري (الشيعي الاثنا عشري)، قد وصلت إلى سقف المعرفة، وأنها أصبحت صالحة لكل زمان ومكان (وهي آفة فكرية لا يقول بها عاقل، فلا شيء صالح لكل زمان ومكان بالمطلق، وقولا واحدا، ولا يقول بذلك إلا من جهل أنه جاهل)، ولو صح أن ما صلح لزمنهم صالح لزماننا، فلماذا نحن أمة الله المتخلفة دون العالمين؟
صفحه نامشخص