قال: ونحن الآن إذا تصدقنا وقرأنا وأهدينا إلى أهالينا وأصدقائنا من الأموات لا يصل ذلك إليهم، ولا تعود بركته عليهم! نظرا منه -وفقه الله تعالى- إلى ما تقتضيه عندنا من أن الأعمال لا تعدو عامليها نظرا إلى ظاهر الآية، فأخبرته أن هذه الآية مختلف في نسخها وشرح معانيها وأحكامها المجتمع بها عند عامل بظاهرها حتى يخصها، وذاك لأنه لا يمكنه القول بأن سعي الغير في الحج لا يقع عن المحجوج عنه، وكذلك وصول الصدقة إلى الميت المتصدق بها عنه. فذكرت له أخبارا وآثارا في انتفاع الأموات من جانب الأحياء، إلى أن دخلت المدينة وأنا أذكر له من تتمة الجواب عن السؤال وهو يسر بما يسمع من ذلك -زاده الله سرورا، ولا يزال مؤيدا منصورا-، فآثرت أن أجمع له في تحرير هذه المسألة متفرق الأقوال ليقف -موفقا- على حقيقة الحال، فيأخذ بالسبب الأقوى إذ النفس بالدليل تقوى على لزوم التقوى، فأبدأ بخلاف المفسرين في الآية، ثم أتبع ذلك بخلاف الفقهاء في حكم المسألة، وأمزج ذلك بما يروح من ذكر الأخبار والآثار الدالة على صواب القول المختار، والله الموفق للصواب.
أما تفسير الآية فإنما يتضح العلم بحكم ما هي معطوفة عليه، وذكرت أول القصة وهو قوله: {أفرأيت الذي تولى. وأعطى قليلا وأكدى}:
اختلف العلماء بالتفسير في المراد في هذه الآية من هو؟
- فقيل: أبو جهل ابن هشام -لعنه الله-، والقليل الذي أعطى ثم قطعه وأعرض عنه إنما هو من القول لا من المال ، وذلك أنه قال: والله ما يأمرنا محمد قط إلا بمكارم الأخلاق. وهذا القول مروي عن محمد بن كعب القرظي.
- وقيل: هو العاص بن وائل السهمي، قاله السدي، قال: وكان ربما وافق النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال، وخالفه في بعض، ثم انقطع إلى العناد والكفر.
صفحه ۵۰