Interpretation: Its Dangers and Effects
التأويل خطورته وآثاره
ناشر
دار النفائس للنشر والتوزيع
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤١٢ هـ - ١٩٩٢ م
محل انتشار
الأردن
ژانرها
التَّأويل
خُطُورَتُهُ وَآثَارُهُ
تأليف
الدّكتور عمر سُليمان الأشقر
دار النفائس
للنشر والتوزيع
صفحه نامشخص
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
" فاتحة كل خير وتمام كل نعمة "
1 / 5
كلمة الافتتاح
الحمد لله الذي أضاء القلوب بنور كتابه، وأرشد العقول إلى البراهين، والأدلة التي تظهر الحق وتعليه، وتبطل الباطل وتبليه، وأصلي وأسلم على عبده المصطفى ونبيه المجتبى الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، وعلى آله وصحبه الذين تلقوا عن نبيهم هذا الدين، وفقهوه وفقهوا به عباد الله، وبلغوه لمن ورائهم، حتى استنارت به الدنيا، وبلغت أنواره أقطار الأرض. وعلى الذين سلكوا سبيلهم وساروا مسارهم إلى يوم الدين، وبعد:
1 / 7
فقد لفت نظري عظم جناية التأويل على هذه الشريعة المباركة أثناء بحثي في موضوع: "أسماء الله وصفاته في معتقد أهل السنة والجماعة"، وقد طال البحث في التأويل وآثاره، وأصبح من غير المقبول أن يدخل في صورته التي أنتهى إليها في الكتاب المذكور، فأفردته في رسالة خاصة.
لقد كان التأويل باب شرّ كبير، ولج منه الذين يردون هدم الإسلام، فما تركوا شيئًا إلا أولوه، ولولا حماية الله ورعايته لهذا الدين لدرست معالمه وضاعت حدوده.
لقد أول الضالون الواجبات فصرفوها عن وجهها، وهونوا على أتباعهم رميها وراء ظهورهم.
وأولوا المحرمات تأويلًا جر الذين ضلوا بضلالهم على ارتكابها والولوغ فيها.
1 / 8
وأولوا نصوص عذاب القبر ونعيمه، والساعة وأهولها، والمعاد والحشر والميزان والجنة والنار بحيث فقدت النصوص تأثيرها في نفوس العباد.
وأولوا نصوص الصفات تأويلًا أضعف صلى العباد بربهم، وأفقد النصوص هيبتها إذ جعلها لعبة في أيدي المؤولين، يجتهدون ليلهم ونهارهم في صرفها عن وجهها بشتى أنواع التأويل.
وقد اقتصرت في هذه الرسالة على النوع الأخير من المؤولات، تأويل الأسماء والصفات، فإن التأويلات التي أبطلت بها الأوامر والنواهي، ونصوص المعاد، والجنة والنار لم ترج عند عوام أهل السنة فضلًا عن علمائهم.
ولكن تأويل نصوص الصفات وجد آذانًا
1 / 9
صاغية عند جمع من أصحاب العقول من هذه الأمة، وجازت هذه الفرية على أقوام أتوا ذكاء ونباهة ورأيا.
لقد ألف في موضوع الرسالة مؤلفات توسع فيها كاتبوها، وتأتي هذه الرسالة لتعالج المشكلة بصورة مبسطة ومختصرة، ولكنها - إن شاء الله- كافية وافية بالغرض، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
د- عمر بن سليمان الأشقر
الجامعة الأردنية - كلية الشريعة
عمان - الأردن
1 / 10
دعوى باطلة
أجهد الذين خالفوا منهج الكتاب والسنة الذي فقهه السلف الصالح في أسماء الله وصفاته أنفسهم في ليّ أعناق النصوص، ليصرفوها عن ظاهرها بشتى أنواع التمحلات، وسموا عملهم هذا تأويلًا، ليروج على من لا يدرك الباطل الذي جاءوا به، وزعموا فيما زعموه أنهم علموا بالقرآن الذي ألزم بتأويل المتشابه، وساروا على هدي علمائنا الأعلام الذين أولوا ما تشابه من آيات الكتاب.
وهذا الذي جاءوا به باطل لا شك في بطلانه.
1 / 11
هذا ليس بتأويل بل تحريف
والذي يعرف التأويل عند العرب في كلامها، ويفقه معنى التأويل الذي جاءت به النصوص، والتأويل الذي عناه الأصوليون والفقهاء يعلم قطعًا أنما جاءوا به ليس تأويلًا، بل هو من تحريف الكلم عن مواضعه الذي ذمه القرآن وذم أهله.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- بعد ذكره لهذا النمط من التأويل:
" هذا التأويل في كثير من المواضع - أو أكثرها وعامتها- من باب تحريف الكلم عن مواضعه، من جنس تأويلات القرامطة والباطنية، وهذا هو التأويل الذي اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمة، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض، ورموا في أثرهم بالشهب.
وقد صنف الإمام أحمد كتابًا في الرد على
1 / 12
هؤلاء سماه: (الرد على الجهمية والزنادقة) (١).
ويقول في موضع آخر:
" هذا التأويل المذموم الباطل هو تأويل أهل التحريف والبدع، والذين يتأولونه على غير تأويله، ويدعون صرف اللفظ عن مدلوله إلى غير مدلوله بغير دليل يوجب ذلك ... " (٢).
التأويل في لغة العرب وفي اصطلاح الشارع
مفهوم التأويل في لغة العرب لا يأتي على هذا المعنى الذي أرادوه فمداره مادة "أوْل" في لغة العرب في استعمالاتها على الرجوع والعود.
يقول ابن منظور:
" الأوْل الرجوع، آل الشيء يؤول ومآلا رجع، وأوّل إليه الشيء: رَجَعَهَ. وألْتُ عن الشيء: ارتددت. يقال: طبخت النبيذ حتى آل إلى الثلث أو الربع أي رجع، والأيّل
_________
(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٤/ ٦٩.
(٢) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٣/ ٦٧.
1 / 13
من الوحش: الوعل، قال الفارسي: سمي بذلك لمآله إلى الجبل يتحصن فيه" (١).
ويأتي التأويل في لغة العرب بمعنى التفسير أيضًا، وهذا المعنى ليس بعيد عن المعنى السابق، فالتفسير تأويل، لأن المفسر يراجع نفسه عند الشرح والبيان ويدبر الكلام ويقدره، ففيه معنى العود والرجوع.
والتأويل في الكتاب والسنة ليس بعيد عن المعنى اللغوي، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى: " يراد بالتأويل حقيقة ما يؤول إليه الكلام، وإن وافق ظاهره، وهذا هو المعنى المراد بلفظ التأويل في الكتاب والسنة" (٢).
يقول شارح الطحاوية: " التأويل في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ هو الحقيقة التي يؤول إليه الكلام، فتأويل الخبر هو عين المخبر به،
_________
(١) لسان العرب لابن منظور ١/ ١٣٠.
(٢) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٣/ ٣٦.
1 / 14
وتأويل الأمر: نف الفعل المأمور به" (١).
وقد أورد الباحثون في هذا الموضوع النصوص التي تدلل على أن معنى التأويل في القرآن هو هذا المعنى الذي قرروه، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿هل ينظرون إلا تأويله، يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق﴾.
والمتحدث في هذا النص هو القرآن، وانتظارهم لتحقيق ما أخبر الحق عنه من وقوع العذاب بهم يوم القيامة، وهذا هو المراد بقوله: يوم يأتي تأويله عند ذلك يقر هؤلاء الذين كذبوا به في الدنيا، ويقولون في ذلك: ﴿قد جاءت رسلنا ربنا بالحق﴾.
وقد صح في السنة أن الرسول ﷺ كان يقول في ركوعه: «سبحانك اللهم
_________
(١) شرح العقيدة الطحاوية ص٢٣٢.
1 / 15
وبحمدك يتأول القرآن» (١)، أي يحقق ما أمره الله به في كتابه.
وعندما رفع نبي الله يوسف أبويه على العرش وخر والداه وإخوانه له ساجدين قال: ﴿يا أبتِ هذا تأويل رؤياي من قبل﴾ فتأويل الرؤيا تحققها في عالم الواقع.
ويأتي التأويل في اللغة وفي الكتاب والسنة بمعنى التفسير، ومنه دعاء الرسول ﷺ لابن عمه عبد الله بن عباس: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل».
ومن هذا الباب ما جرى عليه ابن جرير الطبري في تفسيره، فإنه كثيرًا ما يقول إذا شرع في تفسير آية: "القول في تأويل قوله تعالى".
_________
(١) حديث متفق عليه من قول أم المؤمنين عائشة ﵂.
1 / 16
اعتراض وجوابه
قد يقال: إن بعض معاجم اللغة العربية تذكر أن معنى التأويل هو صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به.
أشار إلى ذلك ابن منظور وابن الأثير وغيرهما، فكيف تزعمون أن العرب لا تفقه من كلامها هذا المعنى.
والجواب: أن هذا المعنى دخل إلى معاجم اللغة العربية المتأخرة نقلًا عن استعمالات الفقهاء والأصوليين، لا نقلًا عن كلام العرب الذي يحتج به، يدل على صحة هذا القول أن معاجم اللغة العربية المتقدمة أمثال: تهذيب اللغة للأزهري، ومقاييس اللغة لابن فارس وهما مما دون في القرن الرابع الهجري لم يشيرا إلى هذا المعنى الذي ذكره الفقهاء
1 / 17
والأصوليون مما يدل على أنه معنى اصطلاحي خاص بهم، فلا يجوز حمل ألفاظ القرآن عليه.
وعلى فرض أن هذا التأويل في لغة العرب هو هذا المعنى الذي أورده الأصوليون، فإن المؤولين للنصوص لم يلتزموا بالشروط التي وضعها الأصوليون لجواز التأويل، كما سيأتي بيانه، ولذا فإن صنيعهم هذا لا يخرج تأويلهم عن التحريف.
المراد بالتأويل الذي يذم طالبه
التأويل الذي يذم طالبه هو البحث عن حقيقة ما اخبرنا الله به من الغيوب التي لا يستطيع العباد بعقولهم المجردة إدراك حقيقتها، فالله أخبرنا بنعيم القبر وعذابه في عالم البرزخ، كما أخبرنا بالبعث والنشور، والحشر وأهواله والجنة وأنهارها وثمارها وأطيارها وحورها، والنار وسمومها وحميمها وغسلينها، ونحن لا ندري حقيقة ما أخبرنا الله عنه،
1 / 18
قال تعالى نافيا علم العباد بحقيقة ما أخبر الله به من نعيم أهل الجنة ﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين﴾.
وفي الحديث القدسي: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر».
وصفات الباري غيب لا نعرف حقيقتها، فالكلام عن الصفات فرع عن الكلام عن الذات، وحقيقة الذات غير معروفة لنا، فكذلك صفاته ﵎.
أما التأويل الذي يحمد طالبه فهو البحث عن تفسير الأسماء والصفات ومعرفة معانيها على الوجه الذي تعرفه العرب من كلامها.
فنحن نعرف معاني ما أخبرنا الله به من معاني
1 / 19
أسماء الله وصفاته، كما نعلم معاني ما أخبرنا الله به من نعيم القبر وعذابه، وقيام الساعة، والبعث والنشور، والموقف وأهواله، والحساب والجزاء والميزان، والجنة ونعيمها، والنار وأهوالها.
فقه آية آل عمران في ضوء ما قررناه في المبحث السابق
قرر الحق ﵎ في سورة آل عمران أنه أنزل الكتاب ﴿منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات﴾ وقرر أن ﴿الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا﴾.
1 / 20
وقد قرر الحق في هذا النص أن أهل هذا الزيغ يتركون المحكم من النصوص ويجرون وراء المتشابه، قاصدين من وراء ذلك إثارة الفتن، وبلبلة العقول والقلوب، وتفريق الأمّة.
أما الراسخون في العلم فإنهم يحكِّمون المحكم ويؤمنون بالمتشابه.
فإن قيل: هل يعلم الراسخون تأويل المتشابه؟
فالجواب: أن أهل العلم اختلفوا في الوقف في النص، هل نقف على قوله (إلا الله) فيكون تأويل المتشابه مما استأثر الله به. أو نقف على (الراسخون في العلم) فيكون الراسخون في العلم ممن يعلم تأويله.
وفي ضوء ما قررناه في البحث السابق يعلم الجواب، فإذا كان المراد بالتأويل حقيقة ما اخبر الله عنه من صفاته فالوقف على: (إلا الله) ويكون تأويل مما استأثر الله بعلمه.
1 / 21
وإن كان المراد معرفة ما أخبر الله به عن نفسه، وهو التفسير فإن الراسخين في العلم يعلمونه في الجملة، وإن كان فيهم من يخفى عليه المعنى، لكن لا يخلو أن يكون فيهم من يعرف مراد الله من قوله، ويعرف المعنى الذي عناه.
فالقرآن أنزل بلغة العرب، والراسخون في العلم لا بدّ أن يتميزوا عن الجهلاء وعوام الناس بمعرفتهم بمعان ما أنزل إليهم ربهم. ومما يدل على صحة هذا أن القرآن نزل بلغة العرب، وقد أمرنا الله بفقهه وتدبره، فكيف يكون في القرآن ما لا يفقه معناه؟!
1 / 22
تناقض أهل التأويل
الذين يوجبون تأويل ما أثبته الله لنفسه من الصفات، ويصرفونها عن ظاهرها يرون أن تأويل تلك النصوص لا يعلمه أحد إلا الله ﵎.
وهم يتناقضون هنا تناقضا بينا، فإذا كانوا لا يعلمون معاني نصوص الصفات، فكيف يدعون إلى تأويلها، إن المنطق السليم يلزمهم بأن لا يبحثوا لها عن تأويل موافق لظاهرها أو مخالف له، لأنهم لا يعلمون لها معنى، أو له معنى غير مفهوم لهم، فكان الواجب عليهم أن يقولوا رضينا بالجهل بهذه النصوص سبيلا ولا نثبت ظاهرا ولا ننفيه ولا نؤوله.
أمّا أن يقولوا يجب علينا صرف ألفاظ النصوص من المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل، فهذا تناقض مخالف لدعواهم أنه لا أحد يفقه معناها.
1 / 23
ثم هم يتناقضون مرة أخرى عندما يصرفون هذه النصوص إلى نظير ما نفوه من معاني، فهم يؤولون يد الله بقدرته، فإذا كان هذا التأويل حقّا ممكنا كان المنفي مثله، وإن كان المنفي باطلا ممتنعا كان الثابت مثله.
هل الصفات من المتشابه
الإحكام والتشابه قد يكون عامّا، فيوصف القرآن كله بالإحكام، كما يوصف كله بالتشابه، وقد يكون خاصا، فيكون بعض آيات الكتاب محكما وبعضها متشابها.
وقد جلَّى شيخ الإسلام ابن تيمية هذه المسالة، وشرحها شرحا وافيا (١)، فالإحكام العام جاء في مثل قوله تعالى: ﴿الر كتاب أحكمت آياته ثم
_________
(١) راجع مجموع فتاوى شيخ الإسلام: ٣/ ٥٩ - ٦٦.
1 / 24