اللغة هي التي جعلت التذكير التصوري ممكنا وعميقا؛ لأن الكلمات أفكار، كل كلمة فكرة، ونحن حين نرث الكلمات من المجتمع نرث مئات الفكرات التي أوجدت لنا ثقافة بدائية ساذجة أولا ثم متحضرة مركبة ثانيا، ولو أن القردة الأربعة العليا كانت قد عرفت اللغة لما تأخر نمو أدمغتها وكانت قادرة على إيجاد حضارة وثقافة.
ولكن لأمر ما لا نفهمه لم تعرف اللغة.
اللغة أوجدت عندنا تصورات اجتماعية مثل الصدق والكذب والحب والكراهة، وتصورات علمية مثل الكرة والمربع والهرم والأسطوانة.
واللغة، بكلماتها كانت أعظم الأسباب، بل لعلها السبب الوحيد لنمو أدمغتنا وتفوقنا على الأرض.
ولكن أساس تفكيرنا هو الإحساس الذي نشترك فيه مع الحيوانات كلها تقريبا ثم اعتمادنا على حواس المسافات، ثم اعتمادنا أكثر على النظر، ونشأ عندنا الإدراك الحسي الذي كبر «بالعيون» إلى إدراك تصوري، وأحدث الإدراك التصوري ما نسميه التعقل.
ثم جاءت اللغة فأحدثت التعميم؛ أي: النظر الكلي العام للأشياء إذ كان منها الكلمات، كل كلمة منها فكرة، والفكرة التعميمية هي نظرية.
الأفكار كلمات
جميع اللبونات التي تتسلق الأغصان، أو الجدران تعرف كيف تمسك الأشياء بيديها، كما نرى في الفأر والقط والسنجاب وجميع القردة الدنيا والعليا، فالتسلق هو الدرس الأول الذي يؤدي إلى الإمساك والتناول.
ولكن ما دام الحيوان يحتاج كثيرا إلى التسلق فإنه لا يتناول كثيرا، وإنما يصبح التناول عملا أساسيا لليد حين يترك الحيوان الشجر ويعيش على الأرض بحيث يسعى على ساقيه فقط ويرصد يديه للتناول دون الحاجة إلى التسلق.
وهذا هو ما حدث لنا، فقد كنا نعيش على الشجرة ثم لسبب ما، كأن نكون قد نمونا وزاد وزننا فلم تعد الأغصان تتحملنا، أو ربما حدث جفاف، وهذا أرجح، جعل الأشجار قليلة الأثمار والغذاء ... تركنا الأشجار كي نسعى ونبحث عن الطعام على الأرض.
صفحه نامشخص