ومن هذا الوضع السيئ يشقى الناس ويتألمون، وقد يضر استمراره بالتوازن الاجتماعي؛ لأنه مخالف لطبيعة الأشياء؛ ولأنه يخلق أنانية وفوضى، ثم حقدا وكرها، ثم فقرا وعوزا.
ولو أن هناك من يهمه أمر مجتمعه من المفكرين فيقوم على معالجة هذه الأزمة الخطيرة بإخلاص وتفهم وعدل، لما كان هذا الوضع المؤلم، ولزال هذا البؤس، وأخذ كل مكانه الذي يستحق، ولكانت حالة مجتمعنا - بلا ريب - أفضل وأسلم، وعاش الناس في هذا الوطن الصغير الجميل، حيث يوجد متسع للجميع، عيشة سعادة وهناء.
ولا بد من القول إن هناك عراكا شديدا بين عنصر الفكر وعنصر الجهل في بلد العلم والفكر، ساد فيه الجهل، مما دفع بأكثر الآباء للتفكير بالانصراف عن تعليم أبنائهم، وهذا يهدد الجيل الطالع بخطر كبير، ويرجع بالبلاد إلى عهد الظلمات والانحطاط.
هذا بعض ما تصوره أمامنا هذه القصة الصغيرة، وخاصة أهل الفكر منهم للعناية به، وما يستحقه هذا الموضوع من الاهتمام، والله من وراء القصد.
مصطفى فروخ
بيروت 7 آذار سنة 1954
الفصل الاول
- سليم! - نعم يا أماه. - سليم تعال، أسرع. - ... - سليم! أسرع. - ...
ثم أعقب ذلك صراخ الأم وصوت عصا تقرقع هنا وهناك في زوايا الغرفة، ولكن الولد سليما، ما كاد يلمح شبح العصا، حتى هرب كالقطة الصغيرة واختبأ تحت الكنب الكبير القائم في زاوية المكان. وانتهت المعركة بتمزيق الورقة التي كان يرسم عليها الصغير سليم، والتي كانت تشغل باله وسببت المشكلة.
جرى ذلك في البيت الذي كانت تسكنه هذه العائلة المتوسطة، وهو يقع في أحد أحياء مدينة بيروت، وهو بناء قديم نخر الدهر حجارته الرملية وأتى على نوافذه العتيقة، ولكن أجمل ما فيه بابه ذو القنطرة الشرقية، حيث تدلت من فوقه عريشة العنب تزخرفه بظلالها البنفسجية كما تزخرف جدرانه.
صفحه نامشخص