؛ لدلالة بقاياه على اعتدال قامته، وامتيازه باتساع الدماغ على البشريات، ولكن الرأي الغالب اليوم أن النوع الإنساني بمزاياه التي بقيت له اليوم مخالف في الخصائص الإنسية لصاحب تلك الجمجمة، وأن هناك اختلافا غير قليل بين أناسي الحفائر من قبيله، وبين الإنسان الذي يطلق عليه اليوم اسم الحيوان الناطق أو العارف أو المميز
Homo Sapiens ، من الكلمتين اللاتينيتين: «هومو» بمعنى بشر، و«سابيين» بمعنى ذي فهم، أو ذي إدراك، أو ذي كياسة. •••
وننقل هنا خصائص النوع الإنساني في علم الحيوان كما أثبتها أقدم الكتب العلمية التي بحثت مذهب التطور باللغة العربية، وعنيت بإيراد أوجه الاعتراض عليه، وأوجه الاختلاف بين الإنسان وغيره من البشريات من الوجهة التشريحية، كما قررها علم الحيوان قبل نهاية القرن التاسع عشر، ونعني به كتاب «تنوير الأذهان في علم حياة الحيوان والإنسان»، لمؤلفه الدكتور بشارة زلزل. وقد صدر الإذن بطبعه من نظارة المعارف بالآستانة بتاريخ 13 رجب سنة 1297، وتم طبعه بعد ذلك بمطبعة مجلة الجامعة في الإسكندرية.
قال المؤلف في الصفحة (167) من المجلد الأول:
فإذا نظر إلى الإنسان على سبيل المقابلة بتلك القرود التي هي لا شك أقرب الحيوانات إليه، يرى أن الإنسان ماش منتصب القامة على قدميه؛ لأن سلسلة ظهره مقوسة في العنق وفي الظهر وفي الصلب، وليس للقردة شيء من ذلك. وعلة ذلك - على ما قال بعض المدققين - زيادة نمو الدماغ؛ لأنه يؤدي إلى كبر القحف، فتتغير الجلسة؛ بدليل عدم استوائها في الأطفال. وبناء عليه تكون موازنة الرأس للبدن سببا لاستواء الجمجمة على العمود الفقري.
وقالوا: إن الأقواس الثلاثة المذكورة تكون في المتمدنين أوضح مما هي في المتوحشين. وعلى الجملة فإن موازنة الرأس مع البدن في أكثر الحيوانات اللبونة تناط بالأربطة العنقية، وهي قوية جدا فيها، وفي القردة بالعضلات المتينة التي تندغم في القذال والسناسن (النتوءات الشوكية)، وهي فيها أطول وأغلظ مما في الإنسان بضعفين، ويتوقف عليها وعلى الرأس حفظ الرأس على الوضع الأفقي فلا يضغط على الصدر لذلك.
وليس الأمر كذلك في الإنسان؛ لأن ثقل جمجمته يتكافأ مع ثقل البروز الوجهي، فيستوي الرأس على الهامة بدون أن يكون للعضلات والأربطة العنقية إلا المحافظة على الموازنة المذكورة، ومقاومة ميل الرأس إلى الأمام؛ ولذلك كانت هذه الأربطة في الإنسان ضعيفة، قال الأستاذ بروقا
وتابعه كثيرون: إن السبب في انتصاب قامة الإنسان واستوائه ماشيا على قدميه إنما هو نمو الدماغ؛ لأن هذه المشية تجعل اليدين مطلقتي الحركة، والنظر متجها إلى الأفق.
وطفل الإنسان يشبه الدبابات؛ لأنه عديم الأقواس الفقرية، فلا يظهر القوس العنقي إلا متى ابتدأ الطفل يضبط رأسه في الجلسة التي يعود عليها، وذلك في الشهر الثالث من عمره. وفي السنة الثانية غالبا يتكون القوس الظهري من جراء فعل العضلات الظهرية والصلبية للقطر السفلي للعمود الفقري، وذلك إذ يبتدئ الطفل يدرج.
وبالجملة فإن الخاصة التي يصدر عنها حسن تقويم الإنسان، ويتوقف عليها امتيازه على سائر الحيوان، وتتفاوت بحسبها مراتب الأمم في المدنية إنما هي نمو الدماغ، وزيادة حجم الجمجمة. وقد أجمع الباحثون على أن معدل وزن الدماغ في الأوروبيين يكون متوسطه في الرجال 1360 غراما، وفي النساء 1200 غرام، وأعلاه 1675 غراما، وأدناه 1025 غراما، وما نقص عن ذلك يدل على البلاهة لعلة أو آفة.
صفحه نامشخص