Erasmus Darwin (1731-1802)، جد دارون الذي ينسب إليه مذهب النشوء والتطور، فكان رائدا لحفيده في القول بالتقارب بين الإنسان والحيوانات العليا، وعاش معه في عصره العالم الفقيه الأيقوسي، لورد منبودو (1714-1799)
Lord Monboddo ، صاحب كتاب «أصل اللغة وترقيها» وكتاب «ما وراء الطبيعة في العصور القديمة»، ومذهبه في تطور الإنسان ظاهر من بحثه عن الأسباب الطبيعية لتطور اللغة، وعن العلاقة بين الطبيعة وما وراء الطبيعة عند الأقدمين.
ويتبين من المقابلة بين تواريخ ميلاد هؤلاء العلماء، أن جو العلم الطبيعي في القارة الأوروبية من شمالها إلى جنوبها كان قد تهيأ لدراسة الحياة والأحياء على أساس الوحدة في قوانين الطبيعة، ولم يكن ذلك مقصورا على السويد وفرنسا وإنجلترا، بل صح من روايات مؤرخي العلوم عند الألمان والروس أن هذه الآراء وجدت من يقول بها على نحو من الأنحاء، وإن كانت روايات هؤلاء المؤرخين لا تخلو من مداخلة الفخر بالسبق العلمي بين الأمم الأوروبية.
ولكن مذهب النشوء لم يعرف بتفصيله قبل العالم الفرنسي لامارك (1744-1829)
Lamarck ، ثم العالمين الإنجليزيين: شارل دارون (1809-1882)، وزميله ألفريد رسل والاس (1823-1913)، وعلى مباحث هؤلاء العلماء الثلاثة يقوم أساس مذهب النشوء أو مذهب التطور بشقيه المقدمين في اعتبار العلماء إلى اليوم. •••
وكل من لامارك ودارون ووالاس يقول بتحول الأنواع، ويرد كثرتها إلى نوع واحد أو أنواع قليلة، ولكنهم لا يتفقون على أسباب التحول، ولا على الصفات والوظائف التي تنتقل بالوراثة متى تغيرت في تكوين الأفراد.
ففي رأي لامارك أن أعضاء الجسم الحي تتغير بالاستعمال، أو بالإهمال، أو بطارئ من طوارئ المرض والإصابة، وأن الصفات المكتسبة التي تتولد من ذلك تنتقل بالوراثة، ولا تزال تتباعد بين الأفراد حتى ينفصل كل منهما بنوعه المستقل الذي لا يقبل التناسل مع غيره، وقد ضرب المثل بالزرافة، وافترض أنها - لطول قوائمها - كانت تأكل طعامها من أطراف الشجر العليا، وتعودت أن تمط عنقها كلما تجردت الفروع السفلى من أوراقها حتى بلغ غاية امتداده، وثبت على هذا الطول في أعقابها المتوالية.
والنشوئيون الذين يرفضون القول بوراثة الصفات المكتسبة يستدلون على بطلان هذا الرأي ببعض الصفات المكتسبة التي شوهدت منذ أجيال كثيرة، ولم يشاهد لها أثر وراثي في الأجنة والمواليد، ومنها أن نساء بورما تعودن منذ أجيال أن يطلن أعناقهن بالأطواق العريضة؛ يضعن طوقا منها فوق طوق حتى تبلغ من الطول غاية الاحتمال، ولا تزال بناتهن يولدن بأعناق لا تزيد في طولها على أعناق البنين الذكور.
ومنها أن عادة الختان عند اليهود لم تعقب أثرا وراثيا بعد استمرارها منذ ثلاثين قرنا أو تزيد، ويشاهد مثل ذلك في ذرية الحيوان الداجن التي تعود المدجنون له أن يقطعوا أذنابه، أو يستأصلوا بعض أعضائه، فإنها تولد بأعضاء كأعضاء آبائها وأمهاتها بعد انقضاء عدة أجيال على تدجينها.
ويرى النشوئيون الذين يقولون بوراثة الصفات المكتسبة أن قصر الزمن الذي مر على هذه المشاهدات - بالقياس إلى الآماد الطوال التي مرت على تطور الأنواع الحيوانية - لا يكفي للجزم بامتناع الوراثة على إطلاقها، وأن إهمال الأعضاء بالقطع ليس من شأنه ضرورة أن يورث ولو طال عليه الأمد؛ لأن المقصود بالإهمال ما يحدث أثرا في قوام البنية الباقية، أو ينشأ عن حدوث هذا الأثر فيها.
صفحه نامشخص