روح وجسد
عقيدة الروح إحدى العقائد الغيبية في القرآن، والعقائد الغيبية أساس عميق من أسس التدين تقوم عليه كل ديانة يطمئن إليها ضمير الإنسان، ولكن الفضيلة الأولى في عقائد القرآن الغيبية أنها لا تعطل عقول المؤمنين بها، ولا تبطل التكليف بخطاب العقل المسئول وهو يؤدي حق التمييز، وحق الإيمان والإسلام؛ إسلام الأمر كله إلى الخالق المعبود.
وعقيدة الروح إحدى العقائد «الغيبية» التي نلمس فيها هذه الفضيلة كأنها من حقائق الحس، وإن وجب على العقل الإنساني أن يؤمن بعلمه القليل فيها، وأن يسلم تسليم الإيمان بأنها من علم الله.
ذلك بأن الإيمان بالروح لم يفرض على العقل البشري في القرآن الكريم نقيضة من النقائض التي تشطره بين ضدين متدابرين، ولم يفصم النفس البشرية بفاصم من الحيرة بين الخلقتين: خلقة الإنسان روحا مجهول القوام، وجسدا معروف المطالب والغايات، محسوس اللذات والآلام.
فالروح والجسد في القرآن الكريم ملاك الذات الإنسانية، تتم بهما الحياة، ولا تنكر أحدهما في سبيل الآخر، فلا يجوز للمؤمن بالكتاب أن يبخس للجسد حقا ليوفي حقوق الروح، ولا يجوز له أن يبخس للروح حقا ليوفي حقوق الجسد، ولا يحمد منه الإسراف في مرضاة هذا ولا مرضاة ذاك. وعلى الله قصد السبيل.
والقرآن الكريم ينهى عن تحريم المباح كما ينهى عن إباحة المحرم:
يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون (المائدة: 87، 88).
والقرآن الكريم يعلم المؤمن به أن يكسب الطيبات من صنع يده، وأن ينفق منها غير مسرف في إنفاقه، وأن ينعم بالطيبات من ثمرات الأرض وخيراتها؛ لأنها نعمة مشكورة لا يحل له أن يجتنبها:
يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض (البقرة: 267).
يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون (البقرة: 172).
صفحه نامشخص