قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون (الأنعام: 50).
وقد جاءت سمعة المعجزة ميسرة لصاحب هذه النبوة يوم مات ابنه إبراهيم وكسفت الشمس، فظن الناس أنها كسفت لموته، وأبى النبي الصادق أن يسكت عليها، فتكلم ليعلمهم أن الشمس والقمر آيتان لا تخسفان لموت أحد ولا لحياته.
وقد بين للناس أن المعجزة لا تجدي من يكابر العقل، ويأبى الإصغاء إلى بينات الإقناع:
ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون (الحجر: 14، 15).
ولقد تقدمت نبوة الإسلام دعوات كثيرة من أكبر الدعوات شأنا في تاريخ العقيدة، ولكنك لو عرضتها على مؤرخ ينظر في أدوار التاريخ لم يستطع أن يختتم دور النبوة في تاريخ الإنسانية بدعوة من تلك الدعوات على جلالة شأنها؛ لأنها جميعا قد بدأت وانتهت قبل أن توجد في أذهان الناس فكرة الإنسانية العامة، وفكرة الإنسان المسئول المحاسب على أمانة العقل والضمير.
فنبوات بني إسرائيل لم تزل مقصورة على سلالة بشرية واحدة تنعزل بحاضرها ووعود مستقبلها عن سائر الأمم. وعيسى عليه السلام قد نقل الرسالة نقلة واسعة حين أدخل أبناء إبراهيم بالروح في عداد أبنائه بالجسد، ولكنه أدى رسالته وبقي الإنسان بعده محتاجا أشد الحاجة إلى رسالة تخلصه من الاعتماد على غيره في النجاة من أوزاره، والتكفير عن سيئاته، والنهوض بتبعات صلاحه وتربية روحه.
ولن تفرغ أمانة النبوة في تاريخ الإنسانية قبل أن يوجد الإنسان الذي يخاطب بخطاب العقل، ويحاسب بحسابه، ويحمل تبعاته على عاتقه، ويشترك على سواء بينه وبين إخوانه من البشر في عبادة إله واحد هو رب العالمين، وليس بالرب الذي يخلق نعمته لسلالة واحدة من خلقه، أو لعشيرة واحدة يدركها الخلاص بفضل لم تفضله، وحساب لم تضعه في موازينها بعمل يمينها.
فلما جاءت نبوة التكليف، صح في حكم العقل أن تختم بها النبوة؛ لأنها حاضرة في كل وقت يحضره الإنسان العاقل المسئول، وتحضره آيات الله لقوم يعقلون.
إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون (البقرة: 164). •••
إن قيام النبوة على إقناع العقل المسئول بآيات الكون قد اختتم سلطان الأحبار والقادة، كما اختتم سلطان النبوات بالمعجزات وخوارق العادات، فلا يعذر الإسلام إنسانا يعطل عقله ليطيع السادة والمستكبرين، أو ليطيع الأحبار المتسلطين بسلطان المال والدين:
صفحه نامشخص