المبتدأ؛ لأنه لا ينفكُّ عنه، ورتبتُه أن لا يقع إلا بعده، فالابتداء يعمل في الخبر عند وجود المبتدأ، لا به، كما أن النار تُسَخِّنِ الماء بواسطة القِدْر والحَطَبِ، فالتسخين إنما حصل عند وجودهما، لا بهما؛ لأن التسخين إنما حصل بالنار وحدها، فكذلك ههنا، الابتداء وحده هو العامل في الخبر عند وجود المبتدأ، إلا أنه عامل معه؛ لأنه اسم، والأصل في الأسماء أن لا تعمل.
وأما مَنْ ذهب إلى أن الابتداء يعمل في المبتدأ، والمبتدأ يعمل في الخبر، فقالوا: إنما قلنا إن الابتداء يعمل في المبتدأ، والمبتدأ يعمل في الخبر دون الابتداء؛ لأن الابتداء عامل معنوي، والعامل المعنوي ضعيف؛ فلا يعمل في شيئين كالعامل اللفظي.
وهذا أيضًا ضعيف؛ لأنه متى وجب كونه عاملًا في المبتدأ وجب أن يعمل في خبره؛ لأن خبر المبتدأ يتنزل منزلَةَ الوَصْفِ، ألا ترى أن الخبر هو المبتدأ في المعنى، كقوله: "زيد قائم، وعمرو ذاهب" أو منزل منزلته، كقوله "زيد الشمسُ حُسْنًا، وعمرو الأسدُ شدةً" أي يتنزل منزلته، وكقولهم "أبو يوسف أبو حنيفة" أي يتنزل منزلته في الفقه، قال الله تعالى: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ أي تتنزّل منزلتهن في الحرمة والتحريم؛ فلما كان الخبر هو المبتدأ في المعنى، أو منزّلًا منزلته تنزل منزلة الوصف؛ لأن الوصف في المعنى هو الموصوف. ألا ترى أنك إذا قلت "قام زيدٌ العاقلُ، وذهب عمروٌ الظريفُ" أن العاقل في المعنى هو زيد، والظريف في المعنى هو عمرو؟ ولهذا لما تنزل الخبر منزلة الوصف كان تابعًا للمبتدأ في الرفع؛ كما تتبع الصفة الموصوف، وكما أن العامل في الوصف هو العامل في الموصوف، سواء كان العامل قويًّا أو ضعيفًا، فكذلك ههنا.
وأما قولهم "إن المبتدأ يعمل في الخبر" فسنذكر فساده في الجواب عن كلمات الكوفيين.
أما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إنهما يترافعان؛ لأن كل واحد منهما لا بُدّ له من الآخر ولا ينفكّ عنه" قلنا: الجواب عن هذا من وجهين:
أحدهما: أن ما ذكرتموه يؤدِّي إلى محال، وذلك لأن العامل سبيله أن يُقَدَّرَ قبل المعمول، وإذا قلنا إنهما يترافعان وجب أن يكون كل واحد منهما قَبْلَ الآخر، وذلك مُحَال، وما يؤدي إلى المحال محال.
والوجه الثاني: أن العامل في الشيء ما دام موجودًا لا يدخل عليه عامل غيره؛ لأن عاملًا لا يدخل على عامل، فلما جاز أن يقال:"كان زيد أخاك، وإن
1 / 40