٥- مسألة: [القولُ في رافع المبتدأ ورافع الخبر] ١
ذهب الكوفيون إلى أن المبتدأ يرفع الخبر، والخبر يرفع المبتدأ؛ فهما يترافعان، وذلك نحو "زيد أخوك، وعمرو غلامك". وذهب البصريون إلى أن المبتدأ يرتفع بالابتداء، وأما الخبر فاختلفوا فيه: فذهب قوم إلى أنه يرتفع بالابتداء وحده، وذهب آخرون إلى أنه يرتفع بالابتداء والمبتدأ معًا، وذهب آخرون إلى أنه يرتفع بالمبتدأ والمبتدأ يرتفع بالابتداء.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن المبتدأ يرتفع بالخبر والخبر يرتفع بالمبتدأ لأنَّا وجدنا المبتدأ لا بدّ له من خبر، والخبر لا بدّ له من مبتدأ، ولا ينفك أحدهما من صاحبه، ولا يتم الكلام إلا بهما، ألا ترى أنك إذا قلت "زيد أخوك" لا يكون أحدهما كلامًا إلا بانضمام الآخر إليه؟ فلما كان كل واحد منهما لا ينفك عن الآخر ويقتضي صاحبه اقتضاءً واحدًا عمل كل واحد منهما في صاحبه مثل ما عمل صاحبه فيه؛ فلهذا قلنا: إنهما يترافعان، كل واحد منهما يرفع صاحبه. ولا يمتنع أن يكون كل واحد منهما عاملًا ومعمولًا، وقد جاء لذلك نظائر كثيرة، قال الله تعالى: ﴿أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء: ١١٠] فنصب "أيَّا ما" بـ "تَدْعُوا"، وجزم "تدعوا" بـ "أيّا ما"، فكان كل واحد منهما عاملًا ومعمولًا، وقال تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ﴾ [النساء: ٧٨] فأينما منصوب بتكونوا وتكونوا مجزوم بأينما، وقال تعالى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ﴾ [البقرة: ١١٥] إلى غير ذلك من المواضع ٢، فكذلك ههنا.
_________
١ انظر في هذه المسألة: تصريح الشيخ خالد "١/ ١٨٩ بولاق" وشرح الأشموني "١/ ٢٥٤ بتحقيقنا" وحاشية الصبان عليه "١/ ١٨٦ بولاق" وأسرار العربية للمؤلف "ص٣١ ليدن" وابن عقيل "١/ ١٧٤ بتحقيقنا" وقد قال بعد ذكر المذاهب: "وهذا خلاف مما لا طائل فيه".
٢ هي عند التأمل موضع واحد، ولكن أمثلته متعددة، ويجمع الكل أن بعض أسماء الشرط تعمل في الشرط والجواب جميعا، والجواب أو الشرط يعمل فيها.
1 / 38