وأما ما استشهدوا به من قوله:
وعقبة الأعقاب في الشهر الأصم [١٨]
فهو مع شذوذه وقلته فلا تعلق له بما وَقَعَ الخلاف فيه؛ لن جمع التصحيح ليس على قياس جمع التكسير ليحمل عليه.
وأما قولهم "إنا أجمعنا على أنك لو سميت رجلًا بحمراء وحُبْلَى لقلت في جمعه: حَمْرَاؤون وحُبْلَوْنَ إلى آخر ما قدَّروا" قلنا: إنما جمع ما في آخره ألف التأنيث بالواو والنون لأنها يجب قلبها إلى بدل، لأنها صيغت عليها الكلمة، فنزلت منزلة بعضها، فلم تفتقر إلى أن تُعَوَّض بعلامة تأنيث الجمع، بخلاف التاء، فإنها يجب حذفها إلى غير بدل، لأنها ما صيغت عليها الكلمة، وإنما هي بمنزلة اسم ضُمّ إلى اسم، فجعلت علامة تأْنيث الجمع عوضًا منها.
وأما قول ابن كيسان "إن التاء تسقط في الطَّلَحَاتِ، فإذا سقطت التاء جاز أن تجمع بالواو والنون" قلنا: هذا فاسد؛ لأن التاء وإن كانت محذوفة لفظًا إلا أنها ثابتة تقديرًا؛ لأن الأصل فيها أن تكون ثابتة، ألا ترى أن الأصل أن تقول في جمع مسلمة "مسلمتات" وصالحة "صالحتات" إلا أنهم لما أدخلوا تاء التأنيث في الجمع حذفوا هذه التاء التي كانت في الواحد؛ لأنهم كرهوا أن يجمعوا بينهما، لأن كل واحدة منهما علامة تأنيث، ولا يجمع في اسم واحد علامتا تأنيث، فحذفوا الأولى فقالوا "مسلمات، وصالحات" وكان حذف الأولى أَوْلى لأن في الثانية زيادة معنى، ألا ترى أن الأولى تدلّ على التأنيث فقط، والثانية تدل على التأنيث والجمع، وهي حرف الإعراب، فلما كان في الثانية زيادة معنى كان تَبْقيتها وحذفُ الأولى أولى، فهي وإن كانت محذوفة لفظًا إلا أنها ثابتة تقديرًا؛ فصار هذا بمنزلة ما حذف لالتقاء الساكنين؛ فإنه وإن كان محذوفًا لفظًا إلا أنه ثابتًا تقديرًا، فكذلك ههنا. وإذا كانت التاء المحذوفة ههنا في حكم الثابت فينبغي أن لا يجوز أن تجمع بالواو والنون كما لو كانت ثابتة.
والذي يدل على فساد ما ذهب إليه فتح العين من قول "الطّلَحُون" لأن الأصل في الجمع بالواو والنون أن يَسْلَمٍ فيه لفظ الواحد في حروفه وحركاته، والفتح قد أدْخَلَ في جمع التصحيح تكسيرًا.
فأما قوله "إن العين حركت من أَرَضُون بالفتح حملًا على أَرَضَات" قلنا: لا نسلم، وإنما غُير فيه لفظ الواحد؛ لأنه جمع على خلاف الأصل؛ لأن الأصل في الجمع بالواو والنون أن يكون لمن يعقل، ولكنهم لما جمعوه بالواو والنون غيَّرُوا.
1 / 36