سقطت الحركات؛ لأن سقوط الإعراب لا يخلُّ بمعنى الكلمة، ألا ترى أنك لو أسقطت الضمة والفتحة والكسرة من الاسم نحو "قام زَيْدْ، ورأيت زَيْدْ، ومررت بزَيْدْ" لم يخلّ بمعنى الاسم، ولو أسقطت الألف والواو والياء من التثنية والجمع لأخلّ بمعنى التثنيه والجمع؟ فلما أخَلَّ سقوط هذه الحروف بمعنى التثنية والجمع بخلاف الحركات دلَّ على أنها ليست بإعراب كالحركات.
والوجه الثاني: أن هذه الحروف إنما تغيرت في التثنية والجمع؛ لأن لهما خاصية لا تكون في غيرها استحَقّا من أجلها التغيير، وذلك أن كل اسم معتل لا تدخله الحركات –نحو "رَحًى، وعَصًا، وحُبَلي، وبُشْرى" له نظير من الصحيح يدل على مثل إعرابه، فنظير رحًى وعصًا: جمَل وجَبَل، ونظير حُبْلى وبُشْرى: حمراء وصحراء، وأما التثنية وهذا الجمع الذي على حدها، فلا نظير لواحد منهما إلا بتثنية أو جمع، فعوضا من فقد النظير الدالّ على مثل إعرابها تغيُّر هذه الحروف فيهما.
والوجه الثالث: أن هذا ينتقض بالضمائر المتصلة والمنفصلة؛ فإنها تتغير في حال الرفع والنصب والجر، وليس تغيرها إعرابًا، ألا ترى أنك تقول في المنفصلة "أنا، وأنت" في حال الرفع، و"إياي، وإياك" في حال النصب، وتقول في المتصلة "مررت بك" فتكون الكاف في موضع جر وهي اسم مخاطب، و"رأيتك" فتكون في موضع نصب، وتقول "قمت، وقعدت" فتكون التاء في موضع رفع، فتتغير هذه الضمائر في هذه الأحوال وإن لم يكن تغيرها إعرابًا.
وأما قولهم "إن سيبويه سماها حروف الإعراب" قلنا: هذه حجة عليكم؛ لأن حروف الإعراب هي أواخر الكلم، وهذه الحروف هي أواخر الكلم؛ فكانت حروف الإعراب، قولهم "إنما سماها حروف الإعراب، لأنها التي أُعْرِبَ الاسم بها، كما تقول: حركات الإعراب قلنا: هذا خلاف الظاهر؛ فإن الظاهر في اصطلاح النحويين أنه إذا أطلق حرف الإعراب إنما يطلق على آخر حرف من الكلمة، نحو الدال من "زيد" والراء من "عمرو" لا على الحرف الذي يكون إعرابًا للكلمة، ألا ترى أن الخمسة الأمثلة أعربت بالحرف، ولا حرفَ إعرابٍ لها؟
وأما قولهم "إنه جعل الألف والواو والياء في التثنية والجمع رفعًا وجرًّا ونصبًا إلى آخر ما ذكروه" قلنا: معنى قوله "يكون في الرفع ألفًا، ويكون في الجر ياء، وفي النصب كذلك" أي أنه يقع موقع المرفوع، وإن لم يكن مرفوعًا ويقع موقع المجرور وإن لم يكن مجرورًا، ويقع موقع المنصوب وإن لم يكن منصوبًا، كما يقال: ضمير المرفوع، وضمير المنصوب، وضمير المجرور، وإن لم يكن
1 / 32