فعل الله تعالى لكان ظلما فيقال له، وقد قام البرهان على أنه من فعل الله تعلى، فيلزمك أن يكون ظلما، تعالى الله عما يقول الظالمون عليوا كبيرا. والخيال الذي يدندن حوله هؤلاء أن أفعال العبد لو كانت مخلوقة لله تعالى لما نعاها على عباده ولا عاقبهم ولا قامت حجة الله عليهم، وهذا الشبه قد أجراها في أدراج كلامه المتقدم فيقال لهم: لم قلتم إنها لو كانت مخلوقة لله لما عناها على عباده، فإن أسندوا هذه الملازمة وكذلك يفعلون إلى قاعدة التحسين والتقبيخ وقالوا: معاقبة الإنسان بعمل غيره قبيحة في الشاهد لا سيما إذا كانت المعاقبة من الفاعل فيلزم طرد ذلك غائبا. قيل لهم ويقبح في الشاهد أيضا أن يمكن الإنسان عبده من القبائح والفواحش بمرأى منه ومسمع، ثم يعاقبه على ذلك مع القدرة عل يردعه ورده من الأول عنها. وأنتم معاشر القدرية تزعمون أن القدرة التي بها يخلق العبد الفواحش لنفسه مخلوقة لله تعالى على علم منه عز وجل أن العبد يخلق بها لنفسه ذلك.
فهو بمثابة إعطاء سيف باتر لفاجر يعلم أنه يقطع به السبيل ويسبيه به الحريم، وذلك في الشاهد قبيح جزما فسيقولون:
أجل إنه لقبيح في الشاهد، ولكن هناك حكمة استأثر الله تعالى بعلمها فرقت بين الشاهد والغائب، فحسن من الغائب تمكين عبده من الفواحش مع القدرة على أن لا يقع منه شئ ولم يحسن ذلك في الشاهد، وفى هذا الموطن
صفحه ۱۵۹