انصاف
الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري، عن أبي العلاء المعري
ژانرها
قال ابن منقذ: فاخترت شيئا وقرأته على الصبي، وهو يموج ويستزيد، فإذا مر به شيء يحتاج إلى تقريره في خاطره يقول: أعد هذا، فأرده عليه مرة واحدة، حتى انتهيت إلى ما يزيد على كراسة، ثم قلت له: يقنع هذا من قبل نفسي. قال: أجل حرسك الله، قلت كذا وكذا، وتلا علي ما أمليته عليه، وأنا أعارضه بالكتاب حرفا حرفا، حتى انتهى إلى حيث وقفت عليه، فكاد عقلي يذهب لما رأيت منه، وعلمت أن ليس في العالم من يقدر على ذلك إلا أن يشاء الله. وسألت عنه، فقيل لي: هذا أبو العلاء التنوخي، من بيت العلم والقضاء، والثروة والغناء.
وهذه الحكاية فيها من الوهم ما لا يخفى. وذلك أنه قال: كان بأنطاكية خزانة كتب إلى آخر ما ذكره. وهذا شيء لا يصح؛ فإن أنطاكية أخذها الروم من أيدي المسلمين في ذي الحجة من سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، وولد أبو العلاء بعد ذلك بأربع سنين وثلاثة أشهر، في شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، وبقيت أنطاكية في أيدي الروم إلى أن فتحها سليمان ن قطلمش، في سنة سبع وسبعين وأربعمائة، وكان أبو العلاء قد مات قبل ذلك في سنة تسع وأربعين وأربعمائة. وأخلاها الروم من المسلمين حين استولوا عليها، فلا يتصور أن يكون بها خزانة كتب وخازن ، وتقصد للاشتغال بالعلم.
صفحه ۷۹