انقلاب عثمانی

جرجی زیدان d. 1331 AH
92

انقلاب عثمانی

الانقلاب العثماني

ژانرها

فقال عبد الحميد: «إن حديثك بالأمس عن أهل القصر كان له وقع شديد في نفسي، وما زلت من تلك اللحظة وأنا أفكر فيه فوجدتك مصيبا، وتحققت أن هؤلاء الأشرار أصل هذه المتاعب، غير أني أصبحت مقيدا بهم لكثرتهم وكثرة أعوانهم ولا أدرى كيف أتخلص منهم.» وتنحنح وهو يلتفت كأنه يحاذر أن يسمعه أحد، ورامز مصغ وقلبه يخفق تطلعا لما سيسمعه.

فقال عبد الحميد وهو يخفض صوته: «فرأيت أن أستشيرك في الأمر سرا، ولم أشأ أن أفعل ذلك في قصري كالعادة لكثرة المراقبين والجواسيس علي وعلى كل ناطق، حتى الخدم والطواشية، حتى النساء والجواري فإنهن يتلصصن علي لسماع ما يقال. فاخترت هذا المكان وأمرت الحرسي أن يأتي بك إليه لتكون سجينا فيه بدلا من قصر مالطة، وأوصيته أن يغلق الباب عليك ويذهب وهو لا يعلم بوجود هذا الباب السري. فالآن نحن هنا في أمان، فما الذي تراه لعلاج هذه الحال السيئة؟»

فاطمأن خاطر رامز، وأصبح لغرابة ما يسمعه يظن نفسه في حلم، ولكنه تأمل فيما هو فيه فتحقق أنه في يقظة فقال: «يأمر سيدي البادشاه بما يريد، فإني طوع أمره بكل ما فيه مصلحة الأمة والدولة.»

فتنهد عبد الحميد وقال: «آه! لقد طالما سمعت كلمتي الأمة والدولة هاتين ممن يحيطون بي من المتملقين، ولكني أعلم أنهم يخادعونني كما أخادعهم، بل لقد استغرقت في الشطط وارتكبت أمورا أرجو أن يمحوها الله من سجل أعمالي إذا أنا رجعت إلى الصواب.» قال ذلك وصوته يختنق كأنه يجهش بالبكاء، ورأى رامز في عينيه دمعتين تتلألآن وهو مطرق كالنادم الآسف، فتأثر من منظره وشاركه في البكاء ولم يبق عنده شك في صدق قوله لكنه ظل ساكتا.

فمسح عبد الحميد عينيه وأظهر الاهتمام وقال: «أحب أن أتخلص من هؤلاء المنافقين المحيطين بي، لكنني لا أستطيع ذلك قبل أن أستوثق من أولادي الأحرار الذين أغريت بإساءتهم وهم الآن بعيدون عني، فأحب أن أباحثهم سرا ونتفق على طريقة نقضي بها على هؤلاء الأشرار، وننظم حكومة جديدة نحيي بها الدولة وكفانا ما مضى. فما هو السبيل إلى ذلك؟ هل إذا عولت على الأحرار يستطيعون الأخذ بناصري والتغلب على هؤلاء؟ ... إني أخاف على حياتي منهم إذا أظهرت تغيرا في سياستي.»

فاعتدل رامز في مجلسه وقد أبرقت أسرته من الفرح وقال: «لا شك يا سيدي أنهم يستطيعون، ولا أخفي على جلالة البادشاه بعد أن رأيت حسن ظنه فينا أن الأحرار هذه المرة ظافرون بلا ريب، لأنهم اجتذبوا الجند إلى حزبهم، ولم يبق ضابط في سلانيك أو في غيرها إلا وهو عضو في جمعية الاتحاد والترقي المقدسة فإذا أرادوا عملا أنفذوه بالقوة، ولا سيما إذا كانت إرادة الذات الشاهانية معهم.»

وكان عبد الحميد يسمع ذلك وقلبه يكاد يتميز غيظا، لكنه تجلد على عادته وأظهر السرور فانبسطت أسرته وظهر الاستبشار في محياه، فاستأنس رامز بمنظره ورقص قلبه طربا، ولبث ينتظر ما يقوله عبد الحميد فإذا هو يقول له: «هل أنت على ثقة باقتدارهم على ذلك؟»

قال: «كيف لا وأنا من صميم الجمعية ؟ إني واثق بأن الجمعية إذا تأكدت رضى جلالة السلطان عنها تفديه بالأرواح وتقاوم أعداءه أشد المقاومة.»

فقال عبد الحميد: «وما هي الطريقة للمفاوضة معهم في هذا الشأن وأنا سجين في هذه القصور لا أستطيع الخروج منها؟»

قال رامز: «إذا شاء مولاي كنت سفيرا بينه وبينهم.» قال ذلك وهو لا يتوقع أن يوافقه السلطان على الخروج من سجنه، فرآه قد أظهر الارتياح وقال: «نعم الرأي هذا! ولكنني أخاف أن يطلع أحد من هؤلاء على قصدنا؟»

صفحه نامشخص